كان يقال في الأمثال: من هوى هوى، بمعنى سقط من أعلى إلى أسفل، وقد يصل بالمحب الأمر إلى الذل والضعف والهوان والمهانة والخضوع والاستكانة، وهذا هو الذل بعينه، والذل على الضد من العز، أما ذل الهوى فهو ذل من نوع خاص، مع أن معنى الذل واحد، إلا أن هذا النوع من الذل يجعل المحب ينقاد لمن يحب فيصبح مثل الخاتم في إصبعه يقلبه كيفما يشاء، وقد أذل الحب أناسا أعزة، لذلك تفنن الشعراء في ذكر ذلك بأشعارهم ومنهم البحتري الذي قال:
ولولا الهوى ماذلّ في الأرض عاشق
ولكن عزيز العاشقين ذليل
وقد يودي الهوى والعشق إلى ما لا تحمد عقباه كحال عشاق العرب الأوائل، حتى قالوا في أمثالهم: ومن الحب ما قتل، فكثير منهم مات عشقا، ومع ما ذكرت فقد خالف هذا الرأي كثير من الشعراء ومنهم نصيب الشاعر فقال في ذلك:
مساكين أهل العشق ما كنت أشتري
جميع حياة العاشقين بدرهم
روى المــبرد يزيد بن محمد صاحب كتاب الكامــل أنــه زار ديرا كبيرا فرأى شابا مربوطا بالسلاسل عليه بقية ثياب ناعمة وآثار نعمة فاستظرفه وحاوره وسأله أن يقول شعرا فارتجل قائلا:
لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم
ورحلوها فسارت بالدمى الإبل
وابرزت من خلال السجف ناظرها
ترنو إلي ودمع العين ينهمل
يا حادي العيس مهلا كي نودعها
رفقا قليلا ففي توديعها الأجل
إني على العهد لم أنقض مودتهم
فليت شعري لطول العهد مافعلوا
فأضاف المبرد: فقال رجل من البغضاء الذين معي «ماتوا».
فقال الشاب: إذن فأموت، ثم ما لبث أن فارق الحياة.
من هنا أقول: اللهم اكفنا الهوى وتبعاته، ودمتم سالمين.