مربع هذا المشار إليه في شطر بيت الشعر هو راوية الشاعر جرير بن عطية، وهو لقب له وإنما اسمه وعوعة، وكان الفرزدق همام بن غالب قد توعده وهدده وأشاع بين الناس أنه سيقتله ليخيفه، فسخر منه جرير لأنه في نظره أقل شأنا من أن يفعل ذلك، وكأنه يقول لراويته أبشر بطول العمر ولن تموت إلا ميتة طبيعية وفي ذلك يقول:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامة يامربع
والبيت هذا ضمن قصيدة عينية رائعة لجرير يقول أولها:
بان الخليط برامتين فودعوا
أو كلما رفعوا لبين تجزع
وقد سقت لكم هذا المثل الحي لأن هناك أناسا كثرا كلامهم كثير وفعلهم قليل ولا خير في قول لا يتبعه فعل، وهي حقيقة نراها أمام أعيننا، فإذا رأيت الرجل يكثر من الوعيد والتهديد ويزبد ويرعد، فاعلم يقينا أنه لن يفعل شيئا، من هنا أقول إنه يستحب للمرء العاقل ألا يكثر من الكلام بلا طائل، فالثرثرة بلا فائدة تجعل الناس لا تصغي لما تقول ولا تصدقك:
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن
ثرثارة في كل ناد تخطب
وإن قلت شيئا وجب عليك أن تفي بما قلت، فإذا فعلت ذلك احترمك الناس وحسبوا لك حسابا، وفي الأساس فالقول بلا فعل ماهو إلا لغو، واللغو منهي عنه في ديننا الإسلامي. وقد ورد ذكر اللغو في القرآن الكريم في عدة مواضع وبمعان مختلفة ومن ذلك قول المولى عز وجل (وإذا مروا باللغو مروا كراما ـ الفرقان: 72)، وكذلك قوله تعالى (والذين هم عن اللغو معرضون ـ المؤمنون: 3)، ويتضح المعنى أكثر في قول عزّ من قائل (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ـ الصف: 3).
روى الطبري في تاريخه أن قيصر الروم نقفور بعث برسالة إلى هارون الرشيد يتوعده فيها ويطالبه بالجزية التي كانت تدفعها إلى خليفة المسلمين الملكة التي كانت قبله فرد عليه هارون بالمختصر المفيد «الجواب ما تراه لا ما تسمعه» فكان قوله مثل فعله فقد سار إلى الروم وانتصر على نقفور انتصارا كبيرا وعادت الأمور إلى دفع الروم الجزية إلى هارون الرشيد. ودمتم سالمين.