تختلف آراء الناس وتتباين وقد تتفق أحيانا، ومن ذلك عبارة «العمر ليس مجرد رقم»، فقد يقول كثير من الناس إن العمر مجرد رقم فلا يقاس بالسنين، فيما يقول البعض الآخر إن العمر ليس مجرد رقم، ولكل مبرراته وأسبابه، وهذه العبارة مدار بحث طويل قابلة للنقاش والأخذ والردّ والقبول والرفض، وبما أنني أميل إلى البعض الآخر الذي يقول ان العمر ليس مجرد رقم، فلي مبرراتي.
لذلك أقول ان العمر هو المدة التي نعيشها في هذه الدنيا الفانية طال أو قصر، فمدة بقائنا مرهونة بتقدير المولى عز وجل القائل في محكم تنزيله (ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون) [الأعراف: 37] فتقدير الأعمار بيد الله تعالى، وليس مكتوبا على جباهنا أرقام أعمارنا، ولكن الأمر اكبر من ذلك بكثير، فهذه السنون التي نعيشها تمرّ مرّ السحاب فإن لم نغتنم سنيننا والمهلة التي وهبها الله إيانا فيما يعود بالنفع علينا يوم نلقى العزيز الجبار، خاب مسعانا وتربت أيدينا وبؤنا بغضب من الله.
تأملوا وصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي منهاج حياة متكامل: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (اسناده صحيح) وفي هذا الحديث الشريف إرشاد إلى اغتنام الفرصة في الحياة الدنيا والعمل للآخرة، لتكون ذخيرة لنا في ذلك اليوم المشهود، فكل شباب إلى هرم وكل صحة إلى سقم وكل غنى إلى عدم:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد
ذخرا يكون كصالح الأعمال
وإذا نجوت من الحوادث سالما
فالنفس مشرفة على الآجال
(نعم العمر ليس مجرد رقم) وإن كان رقما كما يقول البعض فهو رقم صعب للغاية في معادلة أصعب كثيرا مما نظن، لأنه اختبار وامتحان لنا، من استعد له نجا ومن أهمله هلك، ان الاعمار والآجال محدودة والارقام ستصبح صفرا حينما يأتي يوم الرحيل (إنا أنذرناكم عذابا قريبا اليوم ينظر المرء ماقدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا) النبأ 40.
وأختم بهذه الأبيات من شعر الحكمة:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت
أن السلامة منها ترك ما فيها
لادار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت بانيها
ودمتم سالمين.