مرت امرأة بجانب رجل مجنون وبيده عود يرسم به على الأرض، فأشفق قلبها عليه وسألته: ماذا تفعل؟ قال لها: أرسم الجنة وأقسمها إلى اجزاء، فابتسمت وقالت له: هل ممكن ان آخذ قطعة منها! وكم ثمنها؟ نظر إليها وقال: نعم أحتاج عشرين ريالا، فأعطته المرأة وذهبت.
وفي ليلتها رأت هذه المرأة في المنام انها في الجنة، وفي الصباح قصت الرؤيا على زوجها وما جرى معها مع ذلك الرجل، فقام الزوج وذهب إلى الرجل نفسه وقال له: أريد قطعة من الجنة كم ثمنها؟ جاوبه الرجل: لا أبيع! تعجب الزوج وقال له: بالأمس بعت قطعة لزوجتي بعشرين ريالا! ردّ عليه الرجل وقال: زوجتك لم تكن تطلب الجنة بعشرين ريالا! بل كانت تريد أن تجبر خاطري، أما أنت فتطلب الجنة والجنة ليس لها ثمن محدد! لأن دخولها يمر عبر «جبر الخواطر»!
لذلك قيل: اجبروا خواطر بعضكم بعضا، فإنه من سار بين الناس جابرا للخواطر أنقذه الله من جوف المخاطر، ان جبر الخواطر من التقنيات الأخلاقية السامية، والتي لا يكاد ان يستغني عنها أصحاب النفوس الراقية والطيبة.
غالبا عندما يطرق آذاننا مصطلح «عبادة» يتبادر إلى أذهاننا الصلاة والصيام الزكاة وغيرها من العبادات، وعلى الرغم من عظم شأن هذه العبادات وكبير فضلها عند الله سبحانه، إلا أن هناك عبادات اخرى أصبحت خفية، منسية ـ ربما لزهد الناس فيها وغفلتهم عنها ـ عبادة قد يفوق أجرها أحيانا أجور كل تلك العبادات بكثير، ذلك وبالأخص ان اتت في وقتها المناسب، ومن هذه العبادات هي عبادة «جبر الخواطر».
ان «جبر الخواطر»، خلق اسلامي عظيم، خلق يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، عبادة يجبر المسلم من خلالها نفوسا كسرت وأجساما أرهقت وأشخاصا أرواح أحبابهم رحلت وقلوبا فطرت، فما أروعها من عبادة وما أعظم أثرها. يقول الإمام سفيان الثوري: ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم.
وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني»، ومما يؤسس لجبر الخواطر في القرآن الكريم: قوله تعالى: (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون)، فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف عليه السلام ولجبر خاطره، لذلك شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة.
وكثيرة هي المواقف التي تدعونا للإحسان إلى الخلق وجبر خواطرهم، على سبيل المثال: أن نتقصد الشراء من بائع متجول في حر الشمس يضطر للسير على قدميه باحثا عن رزقه، أن نقبل اعتذار المخطئ بحقنا وخصوصا عندما نعلم أن خطأه غير مقصود، تبادل الهدايا بين الأصحاب والأحباب، مواساة شخص حزين، إعطاء السائل لفاقة أو لحاجة وقع فيها.. إلخ، او تقديم البر بأرقى صوره، أن تشتري لوالديك ما يحتاجون وتفاجئهم بما يفقدون، دون طلب منهم أو سؤال، عديدة هي الأمور التي بإمكاننا من خلالها ان ندخل الفرحة للقلوب والهناء في نفوس الآخرين.
قال أحمد بن عبدالحميد الحارثي: ما رأيت أحسن خلقا من الحسين اللؤلؤي، كان يكسو مماليكه كما يكسو نفسه.
بشكل عام جبر الخواطر لا يحتاج إلى الكثير من الجهد، فربما يكتفي البعض من الاشخاص بكلمة جميلة، لسان طيب، اخلاق كريمة، تعامل حسن، تقدير، احترام، أسلوب لين، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فالفظاظة والغلظة من الأخلاق المنفرة للناس.
وقد يكتفي البعض الآخر منهم بالاحتواء، بالمواساة، بالحنو، بالاهتمام، بابتسامة صادقة.
أخيرا، فإن من جبر الخواطر ألا تكون جافا وقحا جلفا همجيا متجردا من الأخلاق والقيم في تعاملك مع الناس.