عندما يسود الرجل يعظم شأنه ويصبح ذا مكانة كبيرة بين الناس، ويتقدم على غيره جاها ومنزلة، ولا يسود حسود، والجود حارس الأعراض، وطريق ممهد للسيادة، فالجود والكرم من صفات الله تعالى، ونعوت الكمال القائمة بذاته سبحانه، ومنها اشتق اسمان من أسمائه الحسنى، الجواد والكريم.
وقد ذكر الله تعالى الجود في محكم تنزيله فقال عز من قائل: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين - الذاريات)، كما قال عز وجل: (.. وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون - البقرة). وكانوا يقولون في الأمثال: من جاد ساد، ومن ساد قاد، ومن قاد بلغ المراد، وقيل على نفس السياق: «من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وأكرم الناس من جاد على قلة، وصان وجه السائل عن المذلة»، وقد جعل الجود استهلالا لهذا المثل لأنه أصل كل فضيلة وخلق إسلامي رفيع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أندى الناس كفّا وأجودهم، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، يقول زهير بن أبي سلمى يصف جود هرم بن سنان وأريحيته:
تراه إذا ما جئته متهللا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وأحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم لعباده، وفي الأثر: اتم الجود ما عري من المنة، والسخي قريب من الله قريب من الناس. وكان صفوان بن أمية بن خلف الجمحي يقول بعد إسلامه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أبغض الناس إلي، فأعطاني ثم أعطاني ثم أعطاني حتى إنه لأحب الناس إلي.
والجود لا يكون في المرء خلقا وسجية إلا وتبعته مكارم أخلاق كثيرة، أساسها كرم النفس، مثلما البخل تتبعه مساوئ أخلاق كثيرة، والجود يغطي كل عيب:
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك ان يكون لها غطاء
تستّر بالسخاء فكل عيب
يغطيه كما قيل السخاء
ودمتم سالمين.