الكسعي نسبة الى كسع بن محارب، وهي قبيلة في اليمن، والمقصود بالكسعي محارب بن قيس وفي رواية أخرى: غامد بن الحارث، وقيل في نسب هذا الرجل غير ذلك، وهو مضرب المثل في الندامة، فقد روت كثير من المصادر التاريخية ومنها مجمع الأمثال، أن هذا الرجل كان يرعى ابله في البر، وبينما هو في شأنه، إذا به يرى شجيرة يصلح خشبها لصنع السهام، فسقاها من قربته حتى روت، ثم ظل يسقيها الماء أياماً حتى استوى عودها وصلب فصنع منها قوساً وخمسة أسهم، ثم أتى على أرض صخرية تكثر فيها الظباء، فكمن لها خلف صخرة، فرأى سرب ظباء فرمى ظبيا بسهم فقدح السهم في صخرة، فظن الكسعي أن السهم قد خاب، فكمن وراء الصخرة مرة ثانية حتى أتى سربا آخر فرمى ظبيا ثانيا فقدح السهم شررا في الصخرة أيضا، فصنع الأمر ذاته بسهامه الخمسة، كل ذلك تقدح سهامه في الصخرة، فغضب غضبا شديدا وهوى بقوسه على الصخرة فكسره تكسيرا، ثم خرج من مكمنه ونظر حوله وتأمل فوجد خمسة ظباء مصابة على الأرض فعلم أن سهامه كانت تخترق الظباء ثم تقتدح في الصخر، فندم ندماَ شديدا على كسر قوسه، فقال في ذلك أبياتا مشهورة منها:
ندمت ندامة لو أن نفسي
تطاوعني إذا لقطعت خمسي
تبين لي سفاه الرأي مني
لعمر أبيك حين كسرت قوسي
فأصبحت ندامته مثلا لكل نادم، ومن ذلك قصة الفرزدق وزوجته النوار، فقد كان الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة متزوجا من ابنة عمه النوار بنت اعين بن صعصعة، وكانت أحسن نساء زمانها خُلقا وخَلقا وأفصحهن منطقا، ذات أدب، مكرمة عند قومها مسموعة الكلمة فيها، فطلقها الفرزدق بعد إلحاحها وندم على ذلك ندما شديدا وقال مستشهدا بقصة الكسعي:
ندمت ندامة الكسعي لما
غدت مني مطلقة نوار
وكانت جنتي فخرجت منها
كآدم حين لَج بها الضرار
وكنت كفاقئ عينيه عمدا
فأصبح مايضيء له النهار
هذه قصة ندامة الكسعي فلا نستعجل الأمور فنندم حين لا يجدي ندمنا شيئا، فالتأني من الرحمن والعجلة من الشيطان.
ودمتم سالمين.