بيروت ـ اتحاد درويش
رأى المؤسس والرئيس السابق للجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر في حديث إلى «الأنباء»، أن مشروع قانون موازنة 2025 «يشبه الموازنات التي تم إقرارها سابقا».
وقال «جاءت الموازنة من دون رؤية إصلاحية ولم تحمل مبادرة إنقاذية، في وقت يستمر فيه الانهيار الشامل الذي يدفع ثمنه اللبنانيون في تردي أوضاعهم المعيشية والاقتصادية. ولم تحمل أي بند من بنود الإصلاح المالي أو الضريبي، كما أنها لم تلحظ كيفية معالجة الدين العام وإعادة هيكلته. وبالتالي، لا يتناسب مشروع الموازنة في جوهره مع خطورة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي تواجهها البلاد، وتضاف إليها تأثيرات الحرب الدائرة في الجنوب وتداعياتها، وتعكس الاستمرار في سياسة تأجيل معالجة الأمور التي تؤدي إلى انهيار البنى المؤسسية الاجتماعية والتنافسية في البلاد، فضلا عن استنزاف مخزون رأس المال والموارد البشرية».
وأشار ضاهر إلى أن وزارة المال أعدت موازنة ستناقشها الحكومة وتحيلها بعد ذلك إلى مجلس النواب، وتتنصل فيها من أي مسؤولية في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحرجة بعد خمس سنوات من الأزمة الحادة التي أصابت اللبنانيين وتركت تداعياتها على مختلف نواحي حياتهم.
وتابع «تدرك حكومة تصريف الأعمال أن المجلس النيابي يتعامل معها على أنها مستقيلة ولا يستطيع محاسبتها، ولأنها ملزمة بتصريف الأعمال وتحت طائلة تحمل المسؤولية، فهي لن تتخلى عن مسؤولياتها، إلى أن نصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة».
واعتبر «أن الأمر الوحيد الذي التزمت به الحكومة هو تقديم موازنة في موعدها الدستوري. إلا أنها خلت من فذلكة الموازنة ولا تترافق مع قطع الحساب المدقق للسنة التي سبقت بحسب المادة 87 من الدستور والمادة 195 من قانون المحاسبة العمومية. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية لم تلحظ بالأدلة والوثائق ما اذا كان فعلا قد جرى تحصيل فعلي للضرائب التي توقعتها موازنة 2024، لذا يفترض أن يكون هناك تحليل لكيفية تحصيل الضرائب واعتماد السياسة الضرائبية وفقا لما جرى تحصيله. وهذا يستدعي دراسة الأرقام والجدوى والأثر الاقتصادي لهذه الضرائب. هذه العوامل كلها تعتمد في دول العالم من أجل اتخاذ أفضل القرارات عبر إجراء تحليل للمرحلة السابقة للانطلاق منها على ضوء المستجدات. هذه الإجراءات شبه غائبة عن الموازنة، والتي من شأنها أن تسمح لمجلس النواب بالرقابة الجدية والمحاسبة وضبط تجاوزات الحكومة».
وأوضح ضاهر أن موازنة 2025 تضمنت زيادة في الإيرادات من 3 إلى 4.6 مليارات دولار تقريبا، وقدرت النفقات بنحو 4.85 مليارات دولار تقريبا، وهناك عجز يقارب مقداره الـ 200 مليون دولار هذه السنة. وقالت الحكومة في هذه الموازنة عبر وزارة المال، إنها ستصدر سندات خزينة بالليرة اللبنانية. وهذه السندات سيجري استدانتها، علما أن الدولة اللبنانية منقطعة عن الدفع والمصارف اللبنانية في وضع عدم ملاءة، كما أنها لم تبين في الموازنة من سيشتري هذه السندات أو هل ستلجأ إلى الاستدانة من مصرف لبنان، في وقت أعلن الحاكم بالإنابة وسيم منصوري أنه لن يمول الدولة لا بالليرة ولا بالدولار. فهل المقصود وضع منصوري أمام الأمر الواقع ليجري بعد ذلك لحظها في الموازنة الحالية؟
واستطرد ضاهر: إضافة إلى ما تقدم، لا تتحدث الموازنة عن الدين المترتب عن سندات الخزينة وفوائدها الديون التي وصلت (أي الفوائد) الى 10 مليارات دولار تقريبا بحسب ما رشح من معلومات، ذلك أن سندات الخزينة تقدر بـ 31 مليار دولار، إضافة إلى فوائد تقارب 10 مليارات، عدا ان الموازنة لم تأت على ذكر كيفية سداد هذه الديون الخارجية والداخلية التي توقفت عن سدادها.
وأبدى خشيته من إدراج لبنان على اللائحة الرمادية والتداعيات الاقتصادية المحتملة، وتأثير ذلك على الاستثمارات والتجارة الخارجيتين والتعامل مع المصارف، بحيث لا يعد بالإمكان فتح اعتماد لشراء البضائع من الخارج. وسيواجه المقيمون في لبنان تداعيات هذا الأمر من خلال التضييق على تحويلاتهم وزيادة كلفتها، ناهيك عن تسكير حساباتهم في المصارف الخارجية بسبب كلفة إجراءات الامتثال.
كما لاحظ أن الاعتمادات المخصصة للرواتب والأجور والمنافع الاجتماعية لموظفي القطاع العام بلغت نسبة 49% من مجمل اعتمادات موازنة 2025 و52% من الإيرادات المرتقبة، ويقال «يرتقب تغطيتها بزيادة ضريبية من خلال زيادة في تحصيل الضرائب المباشرة (بما نسبته 73% عن العام الماضي)، كما بزيادة إيرادات الضريبة على القيمة المضافة بما يوازي 40% دون تعديل في نسبة الرسم المطبقة حاليا، ومع الإشارة هنا إلى أن الضريبة على القيمة المضافة تؤمن وحدها ما يزيد عن ثلث النفقات العامة، وهي بأكثرها تتأتى من المرافق الحيوية كالمرفأ والحركة الداخلية. والسؤال هل تضمن الدولة اللبنانية أن هذه الزيادات في الإيرادات ودون زيادات مقابلة في النفقات سيما في ظل هذه الأحوال المتفجرة؟».
وأوضح «أن الأمر الإيجابي الوحيد، أنه لا وجود لأي بند في الموازنة يشير إلى زيادة طرأت على الضرائب بخلاف ما يجري تسويقه. بل إن الزيادة هي بالحقيقية تعديل قيمة رسوم وزيادتها لكي تتناسب مع الظروف المستجدة وانهيار قيمة العملة الوطنية كما سبق وجرى من خلال الموازنتين الأخيرتين على نسبة تحصيل الضرائب. وهنا فرق بين الأمرين أي استحداث رسوم وضرائب وزيادة على الرسوم المترتبة على بعض الإدارات مقابل الخدمات التي يتم الحصول عليها، كوزارة الشباب والرياضة والدوائر العقارية والأمن العام وبراءة الاختراع من وزارة الاقتصاد وتسجيل العلامات التجارية. هذه كلها كانت رسوم بالحد الأدنى ولم تعد تتناسب مع قيمة الخدمة المقابلة، ولم يتم تعديلها العام الماضي مع بقية الرسوم الأخرى، بحيث تقديرها لناحية القيمة. وبلغت نسبة الزيادات العام الماضي 46% وسطيا، لتكون متناسبة مع زيادة غلاء المعيشة وتدهور سعر العملة. وقد تمت الزيادة على هذه الرسوم، لأن الموازنة اعتبرت أن الكلفة أغلى من الرسم الذي يدفع للحصول على الخدمة. وهناك جانب مهم يتعلق بتخفيض الضريبة على رسم الانتقال وهذه ناحية إيجابية بالنسبة إلى المكلفين. كما ينص المشروع أيضا على جملة من الإعفاءات، وهذا ليس بجديد انما يتكرر في كل سنة وفي كل موازنة، مع التذرع بالظروف الخاصة والمبررة بدلا من معالجة أساس المشكلة وإجراء الإصلاحات والتعديلات اللازمة، ما يحفز التهرب ويضرب مبدأ المساواة وروح المواطنة الضريبية».
ولفت ضاهر إلى أن مشروع موازنة 2025 «يكرس غياب العدالة الضريبية، من خلال ارتكاز معظم إيراداتها على الضرائب غير المباشرة التنازلية، والتي تطول عموم اللبنانيين وتصل إلى 78%. في حين أن الضرائب المباشرة تبلغ ما نسبته تقريبا 22%. وهذا التفاوت بينهما يعمق اللاعدالة الاجتماعية والتفاوت الكبير بين الفئات، ويحمل من ليس له طاقة على التحمل، أو لمن هو ملتزم بموجباته الضريبية مقارنة بمن هم متهربين. وعليه وبغية تغيير هذا الواقع دون التأثير سلبا على الاقتصاد أو زيادة العبء الضريبي المباشر في هذه الظروف الصعبة، من المتاح زيادة مدروسة للواردات من خلال تفعيل الالتزام الضريبي ومكافحة التهرب والتهريب. كذلك تطبيق الضريبة الموحدة على الدخل بشطورها التصاعدية على مجمل الدخل من أي مصدر كان محلي أو خارجية، مع تدابير أخرى متاحة ملازمة لا تثقل كاهل المكلفين ولا تضر بالاقتصاد الوطني».