الفيلسوفة الكبرى
شهر مبارك وجميل أطل علينا من جديد بعد ان دار الزمان دورته ليعود إلينا بأجمل الشهور، شهر رمضان هذا الصيف العزيز الذي نشتاق اليه طوال العام، هذا الشهر الفضيل الكل كان بانتظاره، فرح بقدومه معه يعيش كل منا طقوسه الخاصة، يعيش مع كتاب الله تعالى يقرأه، يتدبر معانيه، يفهمه، ومنا من يحاول حفظه.
بعضنا ينشغل بالبرامج والمسلسلات التي هي في صراع محموم للعرض، فوقت الذروة محجوز للمسلسل الفلاني، والبرنامج الفلاني، كأن رمضان فقط لمشاهدة الفضائيات، فما يلبث مسلسل ان ينتهي حتى يتبعه آخر، وثالث وهكذا، وكل المسلسلات والبرامج تتميز بالمط والتطويل الممل، ولابد ان تكون 30 حلقة، أي اذا كان المسلسل 29 أو 28 حلقة ستحدث كارثة.
من خليجي الى عربي مصري، وعربي سوري عليك الاختيار والمتابعة، فأنت «فاضي»، لا دوام، لا ديوانية، لا أهل، ولا أصدقاء عليك مجاراة ماراثون المسلسلات والبرامج فهي فرصة المنتجين والفضائيات للكسب في هذا الشهر ولا يهم ان كانت مسلسلات مملة أو هادفة، المهم ان تغطي ساعات البث الطويلة، وان يضيع وقتك ويتشتت تفكيرك بين هذا الكم الهائل من البرامج والمسلسلات.
هذا هو حال الاعلام المرئي، اما الإعلام المقروء، وأقصد الصحف اليومية فيقلب مخك، ويجعلك تصاب بالحول والسبب ان صحيفة اليوم تقرأها أمس، وصحيفة غدا تقرأها اليوم، وهكذا تعيش شهرا كاملا في شقلبة فكرية لا تعلم هذه الأخبار قرأتها أمس أم اليوم، اما الإعلام المسموع وأقصد به الإذاعة طبعا، فتقريبا لا أحد يتابع الا اذا كان عندك مشوار بالسيارة فإنك تدير مذياعك لتستمع إلى «حذرة» تصك رأسك كأن المذيع أو المذيعة «مومصدقين» ان الناس تستمع إليهم.
في الأسواق والجمعيات تزداد حمى الشراء، كأننا في مجاعة لا في شهر صيام وقيام، فالكل يريد ان يعبئ البطن بما لذ وطاب، والكل يخاف ان تداهمه خيوط الفجر قبل ان يستمتع بالمأكولات الشهية اللذيذة، مع انه لم يترك صنفا، الا وحفظه في معدته منذ انطلاق مدفع الافطار حتى أذان الامساك.
معدة متخمة، وجسم خامل، وعقل متشقلب، وأعصاب ثائرة، هذا هو حالنا في شهر رمضان المبارك، رغم انه شهر بركة، ورحمة وخير، ماذا لو قررنا التمرد على كل ذلك، وغيرنا من بعض سلوكياتنا ماذا لو جعلنا لنا فيه طقوسا خاصة، ولحظات جميلة نعيشها مع كتاب الله تعالى وأنفسنا، بدلا من التسمر ولساعات أمام شاشات التلفاز لمتابعة هذا المسلسل وذلك البرنامج.