المشهد الأول: الحكاية.. أن قلمين كانا يتبادلان الشتائم فيما بينهما، في مقالين متجاورين على صفحة الكتاب المميزين، وكان مقالي يسكن وسط الصفحة وعلى قدر امتعاضي من أسلوبهما ومحاولتي عدم التدخل في إصلاح أو إيقاف المهاترات المتتالية.. ولا أدري كيف تطايرت بعض الأحرف من كلماتهم حينما كانا يتراشقان بالألفاظ السيئة، لذا وجدت نفسي أكنس مقالي صباحا وأسب سقف الحرية.
> > >
المشهد الثاني: المدير لم يكن يعلم بالموضوع، ولكن ما وصل إلى سمعه ليس إلا ما ظهر فوق السطح، ولم يسأل عما حصل بالضبط.. لذا استدعاني ورمقني بنظرة تهديد، وقال: «من اليوم ورايح عقابا لج، راح تكتبين المقال بالمقلوب».
حاولت أن أوضح له أن الموضوع لا يخصني، ولكن لم يعطني أي فرصة للدفاع عن نفسي، لذا لم يكن أمامي سوى الاستسلام والرضوخ، وخرجت من مكتبه من دون نقاش.
> > >
المشهد الثالث: جلست وحدي أفكر ماذا أفعل وكيف أطبق هذا العقاب المجحف بحقي، وما هي إلا دقائق واذا بامرأة تقبل نحوي تحمل عصا طويلة.
قالت: أعرفك بنفسي من دون مقدمات.. أنا ساحرة.
خفت منها ورأيت نفسي ابتعد عنها خطوتين للوراء.
قالت: لا وقت لدي ولا لديك، الآن اختاري لنفسك شكلا آخر تريدين أن تجربي العيش فيه، وفي لمح البصر سأحولك إليه.
صار قلبي يضرب بشدة أكثر، فالموقف هذا لأول مرة يمر علي، فأنا لا أدري من هذه؟ وماذا تريد؟ ومن أرسلها لي؟ ولم اختارتني أنا بالذات؟
وهنا أردت أن أختبر سحرها، قلت لها: حوليني إلى قلم.
قالت: لقد تم.
«الآن أنا قلم يكتب فوق هذه الورقة التي أمامكم».
> > >
المشهد الرابع: صار أسهل عمل أؤديه هو أن أكتب مقلوبا، في الماضي.. أيام المراهقة من الترفيه أن تكتب سطرا من الكلمات المقلوبة، واليوم صارت الأمور أسهل، فبعض الرؤوس صارت هي المقلوبة، لذا لن أتردد مستقبلا أن أكتب ملاحظة صغيرة تحت مقال من مقالاتي.
«هنا سقط ألف (عقال) أو أكثر لقراءة مقال سلمي».
> > >
المشهد الخامس: عزيزي القارئ دعنا نخرج عن ذاك الموضوع.. ونتحدث في موضوع آخر.. هل تعرف من هي القوارض؟.. هل تعلم ان الفئران ليست هي فقط من القوارض؟ وليست أسوأها؟.. هل شاهدت انسانا من فئة القوارض؟.. أحدهم قرض كلمة كتبتها في مقال عن شوارع تكثر فيها القمامة، فقرض الأحرف الوسطى وصارت «القمامة» القمة.
وعرفت بعدها أن القمة عند البعض ليست كما يعرفها البعض الآخر، فلذلك كل شخص حر في اختيار أي قمة يقف عليها.
> > >
المشهد السادس: لا أحد يجبر أحدا على قراءة كلام لا يفهمه، بعض الكلمات تحتاج لتتحد معها لتفهمها، وعندما تخرج الأفكار من حيز الاعتيادية المألوفة عند الأغلبية، يصبح التحليق خارج أفق المنطق، فتشاهد عرائس الكلمات على مسرح الابداع تشكل مشهدا خياليا.
«الدخول لأدمغة الأدباء المجانين» لوحة كتبت أمام باب العبقرية.
> > >
المشهد السابع: اتركني أكتب ما أريد، لا تمسك بيدي.. لا تشدها إليك، دعني أكمل لعبة الحروف الأبجدية، إنها لعبة المنافسة والتحدي مع ذاتي، إذا انتهت قيدها كما تريد.
> > >
المشهد الثامن: لأنني قلم.. لا أحد يوقفني، عندما أمشي أو أركض تراني أكتب.. عندما أتحرك أحدث خطوطا فوق الورق، لا يمنعني سد ولا يحدني حد.. حتى فوق خريطة العالم كتبت خربشاتي،
ولكن ما يقلقني هو أنه قد يتعبهم أن يتبعوني.
وقد أنا أتعب من الكتابة إن لم يقرأوني.
هم يعتقدون إنني أشبههم.. ولكن أعلم أنهم لا يشبهوني.
«أين أنت أيتها الساحرة لتحوليني إلى قطة»؟
فأنا لم أنس حتى الآن ما أكلته القوارض لذا.. سامحوني.
> > >
المشهد التاسع: أنا الآن تحولت إلى قطة.. شكرا لك أيتها الساحرة. ولكن لحظة من فضلك.. أين القلم؟
[email protected]