لا أعتب على من يحرك ذهنه ويتأمل الأمور ويساعد الناس، هذا في حد ذاته نبل وشهامة، اللوم يكون على من يهرف بما لا يعرف، أو يتعدى بحماسه لمساحات قد عجز عن حلها في نفسه ليحلها لغيره.
وليس مقياسا عدم حلها في نفسه فقد يصف لك الدواء طبيب يقع في عادات صحية سيئة فلا يعني هذا جهله، الخلل يكون فيمن وصف السم الناقع وكأنه الدواء الناجع.
دخلت لبرنامج التواصل الاجتماعي «تويتر» ذات مرة فوجدت غرا صغيرا بدأ بإسداء النصائح لشخص ما، وكأنه رجل قد سبر أغوار الحياة وعايش الأزمات يكتب بروح المتيقن من صحة حلوله رغم سطحيتها بل وخطورتها، يتحدث كأنه يخاطب نفسه أولا: ها أنت صاحب خبرة وعمق ودهاء، ولك وجهة نظر يعتد بها.. ها أنت المثالي في تقديرك للأمور، المتزن في حلولك، يخطبون رأيك ويرغبون في توجيهك.
وقد قيل: يميل الناس لإسداء النصائح وهم أنفسهم يميلون إلى عدم تطبيقها.
وللإنصاف فالشاب بل والإنسان عموما يبحث عما يعزز له ذاته ويعطيها نوعا من القبول والامتلاء، لكن هذا عند الشباب فيه نوع من الحماسة ونقص الخبرة مما يجعلهم أقرب للانفعالات وأبعد عن الحكمة، أقرب للصورة الواضحة أكثر من العميقة وليست قاعدة عامة بلا شك.
يا سيدي دعنا من هذا كله وقل لي هل جربت في يوم من الأيام وضع أحد الأطفال في دور المسؤول؟ هل شاهدت تغيرا في تصرفاته؟ نعم.. لقد تقمص دور الآمر الناهي، بعد أن كان العابث اللاهي، لقد قلت حركاته فأصبح يمشي كمشية الأمراء بعد أن جاب الدار جريا وغناء بدأ بالتركيز والتجهيز والتحفيز، أليس كذاك؟ هنا تتجلى أهمية التربية منذ الصغر وصناعة الرجال بعقولهم المتزنة، وهنا فقط يمكنك الانبهار من صغير قال فأجاد ونصح فأفاد وتأدب في تحاوره فأسعدك، وكيف لا؟ وهو على ذلك قد اعتاد.
الشباب يحتاجون منا بعض الالتفات والانتباه والعطاء، يحتاجون المصاحبة والمحبة وجوا من العلم والأخلاق، يحتاج إعطاؤه دورا ومسؤولية مع المتابعة والتوجيه، وكفانا التعامل معهم كالمخلوق الذي يأكل ويشرب ويلهو ويلعب بلا قيمة فإن قمت بهذا سيدي؟ بعدها لا تسل عن النتائج.
وقس على ذلك كل ما نقوم به وما يدور حولنا من نتائج قد تحتاج منا إلى مراجعات لا أن نكرر ذات التصرفات ونتوقع نتائج مغايرة.
@humod2020
[email protected]