صديقك المخلص هو ذاك الصديق الذي تبثه همومك وتتعلم منه ناصحا وموجها، محبا ومخلصا، لا تتحرج من ذكر أسرارك أمامه ولا تتكلف في علاقتك معه، يتضايق لضيقك ويفرح لفرحك، يبنيك ولا يهدمك يزيدك ولا يسلبك، يعطيك بلا مقابل ولا رد جميل، ويسعفك بلا أذى ولا منة، والكتاب هو كل ما سبق إلا أن سرك عنده مدفون وبوحك مضمون.
والكتب كالناس فهناك من الكتب التي تمر بحياتك كمرور العابر الذي تلتقيه عند قاعات الانتظار تتبادلان الحديث لوهلة ثم يغيب، وهو إلى النسيان أقرب، ومنهم من مر مرورا عابرا، إلا أنه قال لك كلمة هزت كيانك وغيرت مسار حياتك وقفزت بك من ظلام الوهم إلى نور اليقين ومن ضباب الحزن إلى صفاء السعادة ومن برد المخاوف إلى دفء الطمأنينة، هذا العابر لا يقدر بثمن وإن غاب، ولا يمكن تجاهله ولو حاولت، فهو عابر عبر من أمامك لكنه عابر عبر بك.
ومع هذا قيل: إذا أردت أن تكون مهما يجب أن تكون لك عادة مهمة وهي القراءة، وإذا أردت أن تكون مهما، كن مهتما.
حكى أبوالعباس المبرد ـ صاحب كتاب الكامل ـ قائلا: «ما رأيت أحرص على القراءة من ثلاثة رجال: الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل بن اسحاق ….فأما الجاحظ فإنه إذا كان في يده كتاب قرأه من أوله حتى آخره، أي كتاب كان … وليل الشتاء الطويل أنا أقطعه بإعادة قراءة كتابه الممتع «الحيوان»، وقد وجدت هذه الجملة الموحية فيه «من لم تكن نفقته التي تخرج في الكتب أحب إليه من انفاق عشاق القيان والمستهترين بالبنيان، لم يبلغ في العلم مبلغا رضيا.. وليس ينتفع بإنفاقه حتى يؤثر اتخاذ الكتب ايثار الاعرابي فرسه باللبن على عياله وحتى يؤمل في العلم ما يؤمل الأعرابي فرسه».
البحث عن المعلومة قد لا يكون بكثرة الكتب واقتنائها فقط ولا يكون بشكل أفقي يتسع سطحيا بلا تمعن لكنه التأمل والمقارنة والتحليل والقراءة وفعل القراءة لا حبها فقط والعمق وهو الأوقع والأرسخ والأثبت.
يقال إن الإمام الربيع المزني قرأ كتاب الرسالة للشافعي خمسمائة مرة وفي كل مرة يجد شيئا مفيدا يحيله الى مزيد من إعادة ما قرأ.
ومن الأمور العظيمة في هذه الفترة انتشار القراءة وحب اقتناء الكتب، بغض النظر عن كثرة الغث وقلة السمين، إلا أن انتشار القراءة واقتناء الكتب أمر مبشر بخير، فمع القراءة سيكون البعض حالة نقدية تتحول من زائفة طائشة متعجرفة إلى حقيقية متأنية عميقة، وهذا يحتاج إلى وقت، ولا غرابة فكلما ثقل المحتوى قلت الانفلاتات الطائشة وزاد الأثر ورسخت الأقدام.
humod2020@