ذهبت إلى المستشفى لعمل تحاليل وقد كنت جالسا أنتظر، وإذا بشيخ كبير يسأل الممرض الآسيوي عن موعد تسلم النتيجة، فقال للممرض: متى نتسلم النتيجة؟ ليرد الممرض بلكنته المتكسرة: «باد چهر».
والشيخ لا يسمعه جيدا فلم يفهمه فكرر السؤال مرارا، ليرد عليه بالإجابة نفسها - مع عدم معرفتي لنوع تحليله - إلا أنني أحب كبار السن وأحترمهم كثيرا - وفهمت أنه يقول: بعد شهر، فدفعني حبي لخدمة الناس وبعفوية أن أبين له ما أراد، فقلت: يقول لك: بعد شهر.. بعد شهر.
وفي هذه اللحظة انقلب الآسيوي إلى رجل فصيح وأوضح مقالته قائلا: «باچر بابا باچر»، يعني غدا النتيجة، ليصعقني بوضوح كلامه بعد سقوطي في الفخ ولأفيق على بديهية من المفترض أن تقفز في ذهني وهي: هل توجد نتيجة تحليل تحتاج لشهر؟
هنا التفت الرجل المسن وفي عينيه غضب لا يوصف، وبدأ بتوبيخي بشدة، ولم أنبس ببنت شفة، لسببين الأول لأنني أخطأت التقدير، والآخر لأنه في مقام والدي، ويستحيل أن أرد عليه - وهذا ما تربى عليه أهلنا في الكويت - على الرغم من أن دافعي خدمته، ولعلمي بجمال نفوس كبار السن وقدرهم ومقامهم، موقف مضحك، لكن تعلمت منه عدم التسرع في تقدير الأمور والتأني والاستيضاح، وأن بعض ما نتيقنه قد يكون بخلاف الواقع، فقد رسمت في مخيلتي أن سمعي أكثر استقطابا وفهما لأعقد الكلمات ليخيب ظني، وأن الشيخ الكبير قد لا يعي ما يقال فكان مستوضحا ومتأنيا ومدركا أنه لا خير في الاستعجال.
التمحيص والتدقيق في كل ما نستمع إليه من ناقل أخبار ومقيم ومصنف ومحلل وشاتم وقاذف ومفصل يحتاج منا الى نوع من الروية والتأني، وألا يستخدمنا من صنعوا نسيج الالتباس بين الناس وامتهنوا صنعة التشويش على الشعب وخلق نوع من الشتات والتيه ليمر ما يحلموا به ويبتغوه وبالأخص في عالم يعج ببرامج التواصل الاجتماعي، لذا نحتاج إلى غربلة كل ما يمر أمامنا، وعدم التسرع في نشره، وقد قال النبي ﷺ: «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع» (أخرجه أبو داود عن أبي هريرة).. والله الموفق.
@humod2020