خارج لجنة الاختبارات، وقف شاحب الوجه واجم القسمات علته حركات الحيرة اللاإرادية بين تقدم وتأخر، بدت في تمايله مع ثبات وتسمر الأقدام في مكانها، وهو ما يوحي بصدمة شديدة وعجز قد فاق هذا الجسد الهزيل!
في عينيه دموع لا فائضة ولا غائضة دموع حبيسة وسكون حزين، كالجمر المستقر تحت الركام!
سألته مواسيا: ما بك؟ هل حرمت من الاختبارات؟
٭ قال: من هذا الاختبار فقط وتم تحذيرنا بأنه من الغد سيتم تفعيل قرارات الوزارة بشأن كل من يحاول الغش! وسيحرم من النجاح في كل المواد!
- إذن فالمدير طبق القانون مع إعطاء فرصة واحدة، هذا لأن القرار جديد أليس كذلك؟
٭ نعم
- فلم الوجوم؟ هناك متسع من الوقت!
٭ نظر لي بعين التائه وأطلق زفرات حارة وأردف بعد مدافعة اهتزاز صورة الرجل في داخله وأمامنا قائلا: هل تعلم يا أستاذ متى آخر مرة فتحت فيها الكتاب؟ وأنا الآن في صف الثاني عشر.
- متى؟
٭ كانت حينما كنت في الصف الثامن وبعد هذا انتقلت لإحدى المدارس الخاصة!
- نعم لقد عرفت علتك! مدارس العصا السحرية مدارس الدرجات بلا مجهود بلا تعب بلا تعلم مدارس الجهل المقنع.. كم أرثي لحاله وحال أمثاله من الشباب! يعيش بلا طموح ولا هوية ولا كيان يعيش وهو يعلم أنه مشروع فاشل في عصر قافز يرى أقرانه قد تفوقوا وافتخروا فيما حققوا وهو مكانك راوح! ولا جديد.. ثم حاولت تحفيزه بلا جدوى كمن التقط جهاز الصدمات لقلب قد مات بعدما تكاثرت عليه الهموم وفات الأوان أخبرنا بهذا مؤشر الحياة النابض المتحول إلى خط مستقيم وما أجمل الاستقامة إلا بعد فوات أوانها.
٭ كلماته ضخمتها نبرات الندم والألم معا: ما الفائدة يا أستاذ؟ كيف لي أن أصلح دمارا خلفته السنوات لقد ضعت يا أستاذ وكان أقصى طموحي دخول السلك العسكري حالما بالزي الذي تزينه النجوم وها هو نجمي إلى أفول!
هذا الشاب ليس الوحيد بل مثله كثر يعانون جهلا ونقصا عاليا في تقدير الذات، نحن نربي جيلا ناقما على كل شيء، جيل ضحية التساهل والتهاون والمجاملات في أمر التعليم، قد يظن البعض أن ما أعنيه هي المدارس المدمرة فقط! لا ففي مدارسنا الحكومية تحولت الأمور لما هو أسوأ والبعثات خير دليل والجامعات تئن وتنتحب، كم من طالب سافر كمبتعث بنسبة عالية وعاد بلا شهادة، خالي الوفاض إلا من تسكع السنوات وضياع الأوقات والأموال؟
هل سمعتم بطلاب في الصف الثاني عشر لا يجيدون القراءة والكتابة؟ لقد رأيت ذلك بنفسي.
هذا واقع مرير! فمن المسؤول وكيف السبيل للخروج من هذا المأزق الذي سينفجر يوما ما؟
مني لوزارة التربية ممثلة بوزيرها الموقر مع الشكر والتحية.
humod2020@