عند الإفطار تجد الشوارع خاوية وكأن البلاد مهجورة، يؤدون طاعة واحدة وقد توحدنا وطوعت النفوس المأمورة المأجورة.. ننطلق بعدها وكأننا سيل قد انهمر من سد، ونجوب الديار وقد ملأنا حب وارتياح ونور قد امتد، نزور هذا ونصافح هذا ونهاتف ذاك.. تتصافى النفوس ويطيش العتب وتهدأ العواصف ويدحر الغضب، فأين فلان وما أخباره وأين ذهب؟ هل هو بخير.. ومرحبا بك.. ومبارك عليك الشهر.. يا أغلى من الذهب.
فكأن المتشاحنين ما شحنوا وكأن المتخاصمين لا تخاصموا ولا تقاطعوا ولا طحنوا.
نمسك على قول «الله أكبر» ونفطر على قول «الله أكبر».. الله أكبر من كل شيء من مشاغلنا ومطامعنا وملذاتنا ودنيانا.. الله أكبر تعظم في نفوسنا فننيب، وتطرق مسامعنا فنجيب.. الله أكبر من الملهيات من المسلسلات من فضول الكلام من تتبع الأنام من قالوا، ومن مالوا ومازالوا من جمعنا وصنعنا ودفعنا ومنعنا من «أنا» من عائلتي، قبيلتي، حزبي، تياري، أطروحاتي أفكاري نصحوا لتتجرد النفوس وننتبه لتسمو القلوب.
في رمضان على مائدة الإفطار تجتمع النفوس الهائمة بعد شتات، وتتآلف العوائل وكأنها عادت الآن من فوضى الحياة، على مائدة الإفطار يتبادل الأحبة الانشراح فقد اجتمعوا على طاعة، وتتربى النفوس المنصاعة، لأمر الله سلمنا طمعا بثوابه، أقبلنا وصمنا خوفا من عقابه.
في رمضان تطيب النسائم وتعبق الذكرى، وتجود النفوس ويطعم الفقير ولا يعرى، تتحرك المشاعر وتظهر الشعائر وتصدح المنارات وتتوالى الزيارات، صلة الأرحام لها لونها الخاص وبركة الأوقات يشعر بها الناس، تصفد الشياطين فيصحو الغافل.
وتقبل الجموع على الفروض والنوافل، وتكثر أبواب الخير فللعطاء نقدم ونحث السير، تفتح أبواب الجنان وتفتح القلوب معها، وتغلق أبواب النيران فتخفت كثير من المعاصي فلا نسمعها.
في رمضان نقاسم الفقير جوعه فنشعر، ونترك النعم لندرك قدرها فنشكر، نتحمل كل المحاذير لنعلم ونتعلم أننا نقدر، ونتخفف من بهرجات الدنيا وزيفها لعل الله يمن ويغفر، نحسب الساعات ونفرح بالوصول، فنفطر لنشبع فنزهد بالحصول، نتعلم: إنما الطاعة صبر ساعة وإن نفوسنا طماعة فنلزمها القناعة.
في رمضان ليلة خير من ألف شهر.. قيامها عمر مديد من الأجر.. وعتق ومغفر ونجاة، من وفق لها فقد فاز.. ومن غفر له فيها فبفضل الله جاز.
في رمضان دعونا نعيد حساباتنا نرتبها نحذف من حياتنا كل شائبة.. نقبل نتعارف من جديد نعسف النفوس لتذعن للأمور الصائبة.. نحب أنفسنا بصدق..بقربنا من الله.. نعترف بأننا لا ننجو من الله إلا به وليس بسواه.. نبكي في خلواتنا.. نصدق مع ذواتنا.. نقترب من البر فنبر ونبر.. نفرح.. نعيش اللحظات بأجمل تفاصيلها البريئة بلا ظنون ولا حسابات ولا تذاكي أو تباكي.. لا نشكو إلا للواحد الديان.. دعونا نحدث بنعمة الله فنظهر الحسن متوكلين.. ونستر القبيح والمصاب لعلنا نظفر بأجر وعون من المعين.. فلا خوف ولا حسد ولا عين.. دعونا نحياها بلا تحفظات صنعتها المدنية.. ولا بروتوكولات طغى هامشها على العادات السوية.. في رمضان دعونا نغادر في حديثنا وخزات الكلام.. لنحب الخير لنا وللغير، نقدم الاحترام.. في رمضان كونوا أنتم كما أنتم والسلام.
humod2020@