تبدو علاقاتنا بالآخرين من أكثر الأشياء في الحياة التي تظهر معقدة ومتشابكة، ويصعب علينا كثيرا أن نفككها، وأن نقيمها ونضع لها البرواز الذي يليق بها، فنحن في هذا العالم الواسع نعيش بأكثر من شعور ورؤية واتجاهات تصنع من الشخصيات التي نصادفها في الممر مهمة، وأخرى مهمشة، بينهما توجد شخصيات تربطنا بهم علاقة قائمة على فوائد مجردة من العمق الإنساني، بل ربما نصادف في الحياة من لابد أن نتعامل معه، لأن الظروف تحتم علينا ذلك حتى إن لم نكن نحبه أو نحب نموذجه.
ويبقى السؤال الأكثر عرضة للتعرية بدواخلنا قائما، ولكننا لا نملك أن نجيب عنه بدقة.. كيف تقيم علاقتك بالآخرين؟ كيف تتعايش معهم؟ ما هي نظرتك إليهم ونظرتهم إليك؟ أي الأناس الذين يعيشون ليبحثوا عن علاقات تزيد من منافعهم فقط؟ وأي الأناس الذين يعيشون ليصادفوا في نصف الطريق أشباههم.. وجوههم وشيء من أنصافهم التي يأتون إليها جائعين إلى ذات القيم؟ كيف لنا أن نحدد علاقاتنا بالآخرين؟ هل حقا نستطيع فعل ذلك؟ هل حقا من الممكن أن نقترب ممن لا يربطنا به سوى الإنسانية.. أم إننا مضطرون لأن نزود حصيلة معارفنا بمن نستفيد منهم وبمن يدرون علينا المصالح؟
لا نستطيع كثيرا أن نقيم علاقتنا في الحياة كلها، خاصة تلك العلاقة التي تأتي من الداخل، تباغتك لتغيرك وتغير بها تلك العلاقة التي لا تعرف كيف تتعامل معها فتشعر بأنك متورط فيها، لأنها تقودك إلى أقصى حدودها الإنسانية.. في حين تأتي بعض العلاقات باهتة كئيبة مملة وتقذفك بعيدا عن شواطئ الحياة لتعود منها في كل مرة عطشانا، كأنها لم تثرك بل أخذت منك.. في حين تحمل بعض العلاقات كالحمل الثقيل الذي تتمنى فيما لو تتخلص منه وتشعر بأنك في كل الأوقات مقيد بضوابط لا تطيقها وبمجاملات لا تحبها أبدا.. فهل تقييم علاقاتنا بالآخرين على ذلك القدر من الصعوبة؟ أم إنها تحتاج إلى فهم عميق وصدق أعمق وإلى رؤية الصورة واضحة من دون زجاجها الذي يعكس أضواء لا تمت لها بصلة؟
أما العلاقة بين العقل والقلب فكلما تحكم العقل فقط بالعلاقات الإنسانية أصبحت العلاقة في إطارها العام علاقة تبادلية ذات طابع مصلحي، ولذلك فإن العلاقات لا يمكن أن تكون صادقة، ولا نستطيع أن نتعاطى معها بصدق إلا حينما تحكمها العاطفة، وان الشخص الذي يغلب جانب العقل في علاقاته لا يستطيع أن يكون في تعاطيه شيء من المرونة والاتزان بالآخرين، لأنه يحكم على الآخرين من خلال وجهة نظره الخاصة، فالشخص الذي يقول عن نفسه «أنا صريح وأقول للأعور أعور في وجهه» لن يجد من يحبه، فهناك فرق بين أن أملي شروطي على الآخرين لينفذوها، وأن ينفذوا ذلك بحب، وحتى تكسب قلوب الآخرين فلابد أن تحكم جانب العاطفة مع العقل، وذلك ما اتصف به الرسول صلى الله عليه وسلم كونه لا ينتقد الشخص، بل السلوك، وبالتالي كسب قلوب الآخرين، ومن الصعب جدا أن تكسب قلوب الآخرين.