قراءة الانعطافة: يسود تباين في تقييم انعطافة جنبلاط ومردودها السياسي عليه بالدرجة الأولى: فهناك من يرى ان صورة جنبلاط تعرضت للاهتزاز سواء لدى الرأي العام أو لدى الطوائف الكبرى في لبنان، اضافة الى القلق الذي أحدثته مواقفه في الوسط المسيحي عموما، مشيرة الى ان جنبلاط شخصيا سيكون من أكبر المتضررين من انعطافه السياسي. وهناك من يرى ان جنبلاط استطاع في مغادرته قطار 14 آذار إعادة توحيد الدروز خلفه، واستعاد وهجه السياسي الذي كاد يخبو خلف تحالفات مع أقصى اليمين سياسيا واقتصاديا، وأعاد كذلك فتح الطريق الى سورية، والأيام المقبلة ستكشف ان جنبلاط فيما فعل سيكون رابحا كبيرا في التطورات المنتظرة، خصوصا انه نأى بطائفته عن ان تكون أداة أو فرق عملة في صراعات إقليمية ودولية.
مزيد من الخطوات: جنبلاط سيقدم على مزيد من الخطوات التي ترد ضمن إطار ترتيب أموره مع العاصمتين الإيرانية والسورية. وهو سيلتقي الإيرانيين الآن في لبنان، ولن يذهب بعيدا في التواصل معهم كي لا يثير حفيظة السعوديين والمصريين، رغم أنه يعتقد بحسب ما ينقل عنه زواره أن العلاقة مع إيران تمثل «حاجة استراتيجية في مواجهة المشروع الأميركي - الإسرائيلي». كذلك فإن جنبلاط سيستغل مناسبات عدة إعلامية أو احتفالية لإطلاق مواقف يريد من خلالها مخاطبة الشعب السوري للاعتذار منه، وخصوصا أنه سمع كلاما مباشرا من أحد الوسطاء، عن أن مشكلة القيادة السورية في ترتيب استقبال له الآن تعود إلى أن جنبلاط كان يقود أعنف حملة عنصرية على سورية سببت موت عشرات العمال وقطع أرزاق عشرات الألوف منهم، كذلك سببت حنقا لم يكن موجودا سابقا عند السوريين تجاه قسم من اللبنانيين. وتبلغ جنبلاط أن هناك أمرا آخر يتصل بالرئيس السوري بشار الأسد، الذي هاجمه جنبلاط بعبارات لم يألفها أحد في السابق، وبدا تصرف جنبلاط يومها على أساس أنه يحرق الجسور، وأنه لن يعود يوما إلى سورية إلا بعد سقوط النظام فيها. كل ذلك، إضافة إلى أن في دمشق من يتهم جنبلاط بأنه أدى دورا في تحريض معارضين سوريين على القيام بأنشطة واحتجاجات وحتى العمل على مؤامرات هدفها قلب النظام أو زعزعته أو بث الفوضى في سورية. وكل هذه الأمور ستعود إلى واجهة العقل السوري وهو يتعامل مع ملف جنبلاط، دون أن يعني ذلك أن دمشق لا تتعامل مع الأمر وفق منظومة سياسية، وأنها تشعر بأنها أقرب الآن إلى استقبال جنبلاط وفتح صفحة جديدة معه.
انزعاج «المستقبل»: من الأمور التي أزعجت تيار المستقبل في تصرفات جنبلاط التوقيت والمكان.
كان التيار يتوقع انقلابا جنبلاطيا، لكنه لم يكن يتوقع حدوثه قبل إعلان تأليف الحكومة، وما «يحز في نفس» المستقبليين هو ان الرئيس المكلف كان يخوض مفاوضات شاقة مع قوى الأقلية النيابية، فأتت الخطوة الجنبلاطية لتضعف موقف 14 آذار، إلا ان أكثر ما أساء الى تيار المستقبل وقوى 14 آذار هو المكان الذي اختاره الزعيم الدرزي لإطلاق مواقفه، أي فندق البوريفاج، وهو الاسم الذي يمثل عنوانا لأسوأ نموذج في العلاقات اللبنانية ـ السورية. وبدا وليد جنبلاط كرجل يريد إبلاغ زوجته قرار الطلاق، فاتصل بها من هاتف عشيقته.
حكومة تكنوقراط الى الواجهة مجددا: تكرر أمس في بعض الأروقة طرح صيغة التكنوقراط، ومبرر ذلك خطوة جنبلاط والأسباب الأخرى التي تسهم في المراوحة. ويرى مطلعون ان الرئيس سليمان لا يعارض مثل هذا الطرح الذي لا يتحمس له الرئيس نبيه بري.