تحل اليوم الذكرى الـ 55 لانضمام الكويت إلى جامعة الدول العربية في خطوة رائدة في تاريخ المسيرة العربية والعمل العربي المشترك وتعزيز العلاقات العربية ـ العربية ورفع مكانة الجامعة في المحافل الدولية.
وجاء انضمام الكويت الخطوة التالية لاستقلال البلاد حيث كان أول أمر قام به الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح حينها عقب إعلان الاستقلال هو تقديم طلب لجامعة الدول العربية وتم قبول عضوية الكويت في 20 يوليو عام 1961.
ووقتئذ كلف الشيخ عبدالله السالم ـ طيب الله ثراه ـ مدير المعارف عبدالعزيز حسين بتسليم الطلب حرصا على أن تكون الكويت جزءا لا يتجزأ من الكيان العربي ولتساهم في التضامن مع الدول العربية الشقيقة في كل ما يعود بالخير والتقدم على الأمة العربية.
وقد حاولت الكويت الانضمام إلى عضوية الجامعة العربية في سبتمبر 1958 ولكن حال عدم استقلالها دون إتمام عضويتها رسميا في الجامعة وعقب إعلان استقلال البلاد عن بريطانيا في 19 يونيو عام 1961 طالب رئيس الوزراء العراقي عبدالكريم قاسم آنذاك بضم الكويت إلى العراق.
وكانت الكويت قد تقدمت إلى جامعة الدول العربية في 23 يونيو 1961 بطلب قبول عضويتها في الجامعة وتقرر البت في الطلب بتاريخ 4 يوليو العام ذاته لكن الجامعة أخفقت في اتخاذ قرار في الموضوع وقررت تأجيل الجلسة إلى 12 يوليو ذاته ريثما ينتهي أمين عام الجامعة العربية من الاتصال مع الحكومات المعنية بالأزمة.
وفي 20 يوليو أصدرت الجامعة العربية قرارا بقبول الكويت في الجامعة وطلبت الكويت من بريطانيا سحب قواتها لإحلال قوات عربية محلها ووصلت قوات من الجمهورية العربية المتحدة والأردن والسودان.
وانتهت الأزمة بمقتل عبدالكريم قاسم بانقلاب عسكري جرى في 8 فبراير 1963 وجراء ذلك انسحبت القوات العربية نهائيا من الكويت في 20 فبراير من العام ذاته.
ومع قبول طلب انضمام الكويت، قال الأمين العام للجامعة العربية للشؤون السياسية حينذاك د.سيد نوفل «إن الجامعة يسعدها أعظم السعادة انضمام الكويت إلى الأسرة العربية»، مضيفا «أن الكويت في الواقع تمارس مظاهر العضوية الكاملة في الجامعة العربية منذ وقت بعيد سواء في الميادين السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية».
كما أصدر مجلس الجامعة قرارا ينص على «مساعدة الكويت على الانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة»، وجاء هذا القرار ترجمة لما جاء في المادة الثانية من ميثاقها والذي ينص على «توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها».
ولم تتوان الكويت منذ انضمامها إلى الجامعة العربية في دعم كل ما من شأنه تعزيز اللحمة العربية سواء داخل أروقة الجامعة أو خارجها من خلال قيامها ممثلة بصاحب السمو الامير الشيخ صباح الأحمد الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك بجهود ديبلوماسية بين المتخاصمين ورأب الصدع العربي علاوة على انتهاج سياسة التوازن وتأكيد أواصر التعاون.
ولعبت الحنكة السياسية لصاحب السمو الامير الشيخ صباح الأحمد دورا فاعلا في تسوية الخلافات الخليجية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الوطن العربي فضلا عن الخلافات بين الدول العربية.
وللكويت بصمات رائدة في إبعاد الأزمات عن دول العالم العربي من خلال مشاركتها بالوساطة بين الأحزاب اليمنية منتصف ستينيات القرن الماضي وتحركها الديبلوماسي في سبتمبر 1972 لإيقاف الاشتباكات المسلحة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية.
واستمرت وساطة الكويت ممثلة في سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح من خلال اللجنة التي شكلتها جامعة الدول العربية لتحقيق المصالحة اليمنية لتتوج وساطة سموه بالتوقيع على اتفاقية سلام واتفاقية خاصة بالتبادل التجاري بين الدولتين بعد زيارة قام بها سموه إلى الدولتين في أكتوبر عام 1972.
في موازاة ذلك كان لسموه دور فاعل في تسوية الأزمة اللبنانية منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 حتى أخمدت نارها عام 1989 حيث عكفت الكويت على تقديم الدعم المادي والمعنوي للشعب اللبناني الشقيق.
وشهد عام 1980 توسط سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الخارجية بين جمهورية اليمن الديموقراطية وسلطنة عمان لتخفيف التوتر القائم بين البلدين وذلك بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبالنسبة لدور الكويت في دعم القضايا العربية فقد حرصت دائما على دعم القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى في المحافل الدولية ومطالبتها بوقف العدوان الإسرائيلي ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقوقه المشروعة وهو ما دعا إليه البيان الرسمي الأول لسمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ18 في مايو 1963 إثر قبول الكويت عضوا في المنظمة.
ويذكر التاريخ بإجلال موقف الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله الصباح عام 1970 حين قام بإخراج الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من الحصار الذي كان مفروضا عليه في الأردن خلال معارك (أيلول الأسود).
ولم يقتصر الموقف الكويتي على الدعم السياسي فحسب بل عكفت الكويت على دعم فلسطين حكومة وشعبا وتقديم المعونات والمساعدات المادية والعينية للشعب الفلسطيني الشقيق الواقع تحت وطأة الاحتلال.
وحول موقف جامعة الدول العربية من الاحتلال العراقي للكويت فقد أصدرت الجامعة في 10 أغسطس عام 1990 القرار رقم 195 الذي أدانت من خلاله الغزو العراقي للكويت ودعت خلال مؤتمر القمة العربي غير العادي العراق إلى الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي.
وأكدت الجامعة خلال القمة على سيادة الكويت واستقلالها وشجبت التهديدات العراقية قبل أن تتوالى بعدها القرارات الخاصة بالأسرى الكويتيين وتعويض الكويت عن الأضرار الناجمة عن الغزو العراقي.
من جانب آخر حرصت الكويت على خروج العراق من بند الفصل السابع المتمثل في إلزام العراق بتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بغزوها للكويت في خطوة تعد تنازلا من الجانب الكويتي في سبيل رأب الصدع العربي وعليه شهد عام 2013 خروج العراق من ذلك البند.
وعلاوة على ذلك تعتبر المساهمات الكويتية لإعادة إعمار العراق مثالا آخر لسعي الكويت إلى مد جسور التعاون والترابط لتقوية الصف العربي كما امتدت مساعدات الكويت المالية عبر صناديقها الاقتصادية والتنموية لتشمل جاراتها وشقيقاتها العربية على شكل منح ومشاريع تنموية واقتصادية وقروض إيمانا منها بوحدة الصف والتكاتف العربي.
ومن ذلك المنطلق استضافت الكويت أول قمة عربية اقتصادية وتنموية واجتماعية عام 2009 والتي تعد من أنجح القمم التي عقدتها الجامعة العربية كما استضافت القمة العربية الافريقية وثلاثة مؤتمرات دولية للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية وغيرها من الأنشطة العربية.
وعقب الأحداث الأليمة التي ضربت الكويت العام الماضي في مسجد الإمام الصادق أعرب مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين عن إدانته الشديدة واستنكاره للجريمة البشعة التي وقعت في المسجد.
وشدد المجلس في بيان في ختام اجتماعه الطارئ بشأن هذا الحادث التفجيري الآثم على «تضامنه الكامل مع الكويت أميرا وحكومة وشعبا في مواجهة الإرهاب والتطرف».
وذكر «بالدور الإنساني الريادي إقليميا ودوليا» الذي تضطلع به الكويت في الدفاع عن القضايا العربية وفي مواجهة الإرهاب الذي يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
وعبر المجلس «عن تعازيه الحارة للكويت قيادة وحكومة وشعبا» وعن الفخر والاعتزاز «إزاء ما شهدته الكويت من مشاعر عكست صلابة الوحدة الوطنية الصادقة التي تجسد أهم خصائص المجتمع الكويتي الصلبة في حرصه على تماسك لحمته الوطنية في مواجهة التحديات التي تستهدف الوطن وكيانه ووحدته».