- لغة سهلة وأسلوب شائق ورؤية مبتكرة للوصول إلى أكبر شريحة من القراء
أحمد صابر
برؤية الطبيب، وحس الإعلامي والناشط الاجتماعي، وذائقة الكاتب والأديب، وفي دعوة مباشرة الى مواجهة اليأس والحزن والعثرات والتعالي على الجراح والهموم، أصدر د. ساجد العبدلي كتابه المتميز «الراقصون تحت المطر»، محاولا الغوص في أعماق المعاني والدلالات، مؤكدا ان الحياة أقصر من ان تضيع في الانكفاء على الذات والانزواء تحت المظلات انتظارا لسكون العواصف، بل يجب التعامل مع تلك الانواء و«عدم التوقف عن الرقص».
ويعد الكتاب الذي يقع في 125 صفحة تقريبا من القطع المتوسط «وصفة طبية»، في شكل مجموعة من المقالات المختلفة، متضمنة أفكارا وتأملات ونصائح ثمينة وتجارب اكتسبها المؤلف من خبراته الطويلة في الحياة، تطرح فنونا عدة في طرق تحدي الصعاب بروح ايجابية وعزيمة صلبة، حيث يتنقل بين بساتين العلوم وحدائق المعارف وواحات الأفكار ليقطف لنا أجملها، ويزينها بالحس الايجابي والحث على النجاح، بلغة سهلة، وأسلوب شيق ورؤية مبتكرة، بهدف الوصول إلى أكبر شريحة من القراء.
«عندما تتكالب عليك الضغوط وتعتريك الهموم فلا تسمح للدنيا ان تراك مهزوما، بل تألق وارتد أجمل ابتسامة وثق برحمة الله، واخرج عليها»، في هذا الإطار، وما بين الصداقة، والثقة بالنفس، وحواس الإنسان، ومنافع ومضار العزلة، والضمير الإنساني، وقصص من نجاحات المشاهير، والتقليد وغريزة القطيع، ومعاني الوطنية، وإدمان التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، والعمل الخيري، والفلك وعالم الكتب والمكتبات، والقرصنة الإلكترونية، والروايات الأدبية، وصفات القادة الناجحين، تنوعت القضايا التي تناولها المؤلف في «الراقصون تحت المطر»، حيث قام بتجزئته الى مقالات منفصلة، يمكن للقارئ أن يقرأها على فترات وفقا لمزاجه وظروفه، مذيلا كلا منها بسؤال، اطلق عليه «وقفت تحت المطر»، في محاولة لاستثارة الذهن وايقاظ الوعي ولو لبضع ثوان بعد القراءة.
إرادة وتحدٍيستهل العبدلي كتابه بمقال «الراقصون تحت المطر» موضحا فيه ان الحياة تتبدل ما بين سعادة وشقاء فلا هذا يدوم ولا ذاك، وما يراه انسان من أسباب الفرح قد يحسبه آخر من دواعي الحزن، وان دوام الحال من المحال، وتلك سنة كونية لا تتغير، داعيا الى عدم الخمول والانهزام «فما لحوادث الدنيا بقاء» وان يخرج الانسان ولو بأصغر قطرات السعادة من أوقات العواصف والمحن.
وتحت عنوان «أمسك يد عروسك» يتحدث المؤلف عن قاطرة العمر، وكيف عبرت به بوابة الأربعين حيث عندها يبلغ الإنسان أشده ويكون في أوج قدرته على تحمل أعباء الحياة، وتبدو عليه بعدها علامات الضعف الجسدي والنفسي والتي يجب مواجهتها وحسن التعامل معها، قائلا: «الشباب شباب الروح، فمن شاخت روحه لن ينفعه صغر سنه، ومن ظلت روحه فتية شابة وقادة، فسيقهر الشيب والتجاعيد وسيظل نشيطا رائق المزاج عذب النفس حتى آخر لحظة من حياته»، متعهدا «سأستمر ممسكا يد الحياة، تلك الشابة الفتية دوما، مهما بدا لي انها تستطيب مد أياديها لمن هم أصغر سنا، فهي ليست كذلك أبدا، ان الحياة عروس تمسك يد من يمسك يدها».
الإنسان والطبيب
ومن واقع عملي وتجربة علمية، يروي لنا الكاتب بلسان الطبيب بعضا من أسرار رحلته الدراسية على مقاعد كلية الطب قبل ربع قرن، مستعرضا فئات الطلبة في الكلية، في رصد دقيق للعلاقة ما بين التفوق الدراسي والنجاح في الحياة العملية، مؤكدا في مقاله «طبيب جدا.. إنسان اكثر» ان من يمتلكون مهارات التواصل الإنساني او «الذكاء الوجداني» هم اكثر شهرة ونجاحا في أعمالهم من أولئك الذين يمتلكون المعرفة العلمية والبحثية فقط، كما لا يخفي المؤلف تأثره بالطب حيث يواصل تشخيص العلاقات الاجتماعية والصداقة بين البشر فـ «القرين بالمقارن يقتدي» و«الصاحب ساحب»، مشيرا الى تأثر الإنسان بأصدقائه حتى الدرجة الثالثة، ومدى السعادة والاستقرار النفسي او الحزن والاضطراب الذي يكتسبهم الفرد من دائرة اقرانه حيث «صديقك طبيبك».
ضرورة العزلة
وفيما يمكن ان يراه البعض تغريدا خارج السرب، يتناول العبدلي قضية العزلة من زاوية أخرى ويلتقط صورة مغايرة تماما لما عرف عنها، ويسوق نماذج عديدة لعلماء ومخترعين تركوا اكتشافات هائلة بفضل العزلة التي يعتبرها «شرطا بشريا»، متحدثا عن تجربته الشخصية في الانعزال عن عالم التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية لفترة ويوضح كيف استطاع خلالها انجاز العديد من الأفكار والأعمال التي كانت متراكمة لديه، ويقف «برهة تحت المطر» متسائلا، هل للعزلة او الخلوة محل في حياتكم؟.
وفي مقال آخر يقدم مجموعة من الخطوات للتخلص من السلبية، مؤكدا ان النظرة الايجابية يمكن للشخص السبلي ان يكتسبها، ولكن لا بد ان تتوافر الرغبة الحقيقية لديه لتغيير وتطوير ذاته، مقترحا تمرينا بسيطا من 6 خطوات يمكن ممارسته لثلاثة اسابيع وذلك بتدوين الأفكار الإيجابية والسلبية في دفتر صغير والمقارنة بينها، مشيرا الى انه مع تكرار التمرين سيتقلص الفارق بين النظرتين.
سوزان «الغبية»
الى عالم الفن والطرب حيث اسكتلندا موطن النجمة سوزان بويل يأخذنا المؤلف في رحلة مثيرة مليئة بالمغامرات وتحدي العقبات، ويوضح كيف تحولت سوزان «الغبية» كما كان يطلق عليها زملاؤها نظرا لتعثرها الدراسي، الى اشهر رموز الغناء الاوبرالي في بريطانيا والعالم وتربعت على عرش النجوم الاثرياء لتبلغ قيمتها السوقية ما يعادل 22 مليون يورو، موجها رسالة الى الجميع مفادها ان «النجاح لا يهبط من السماء» وإنما يأتي نتيجة لتعب وجهد وإصرار على تحقيق الأهداف دون ملل، وعدم الياس من تحقيق الأحلام في أي مرحلة من العمر.
الفرد والقطيع
وتحت عنوان «غريزة القطيع» يصف المؤلف حالة الفرد عن اتباعه لسلوك الجماعة التي ينتمي اليها دون تفكير او ما يسمى بـ «الدليل المجتمعي» حيث يشعر الإنسان بأنه يتصرف بشكل صحيح طالما ان الجميع يتصرفون كذلك، لافتا إلى تلك الغريزة مغروسة «جينيا» لدى البشر، مشيرا الى استخدامها في عالم البرامج التلفزيونية الجماهيرية وصناعة الإعلان والتسويق، حيث تنجح فكرة «الأكثر انتشار» و«الأكثر مبيعا» و«الأكثر رواجا» في تحريك غريزة الناس للاقتداء واقتناء تلك المنتجات او الخدمات واتباع سلوك الجماعة حتى لو كان خطأ، داعيا الى ضرورة التفكير في القرارات والأفعال وعدم الانسياق وراء القطيع.
كما لم يغفل المؤلف مفاهيم الوطن والوطنية والانتماء والولاء والاحتفال بالمناسبات القومية، مبينا ان الوطن هو المكان الذي يستوطنه الإنسان ويرتبط به، ولا وجود للوطن بدون الجماعة او التكتلات البشرية، مستعرضا ما يمكن وصفه بـ «دراسة حالة» لدول الخليج وكيفية تكونها والعلاقات السياسية بين الحاكم والمحكوم، كما عرج على الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة في اوساط المجتمع وكيف تحولات إلى ادمان لدى البعض، داعيا الى ضرورة تحرير انفسنا من عبودية تلك الأجهزة والوقوف على منافعها ومضارها.
الفضاء والفلك
وإلى خارج الكرة الأرضية يحلق العبدلي في عالم الافلاك والمجرات ليدور سريعا حول كوكب بلوتو الذي «ينام ملء جفونه عن شواردها» بعد ان قرار الاتحاد الدولي للفلكيين تنزيل رتبته الى «كويكب» ليفقد بذلك اعتباره تاسع كواكب المجموعة الشمسية، لافتا في تشبيه لطيف الى ان الكوكب لم يتأثر بذلك وسيظل يدور حول الشمس حتى نهاية الحياة، فحاله كآلاف المبدعين في مجتمعاتنا يدورون في مساراتهم الخاصة دون الالتفات الى من يحاولون تثبيط هممهم والتقليل من شأنهم.
الكتب والمكتبات
وينتقل المؤلف إلى عالم الكتب والقراءة ودور النشر ليتساءل في احد مقالاته «كيف تصير المكتبة حية؟» مؤكدا ان ذلك لا يكون بانتقاء أجود أنواع الكتب او استخدام افضل التكنولوجيات الحديثة في تنظيمها وتقديمها للزبائن، بل بوجود كوادر بشرية «مثقفة قارئة للكتب وليست بائعة لها فقط»، كما يعرج على العلاقة بين الكتاب والقارئ، واصفا الكتاب بالكائن الحي الذي تمر حياته بمرحلتين وهما الكتابة والقراءة، وعلى القارئ ان يصنع افكاره النهائية عن الكتاب او أي شيء آخر بنفسه دون الاعتماد على الآخرين، ويشير الى ان هناك «كتبا سيئة السمعة» انتجت بتحبير مباشر للمادة الصوتية المسجلة دون اهتمام او اتقان، تعتمد على لفت الانتباه بطريقة تصميم الغلاف او وضع صورة لشخصية مشهورة عليه في ظل محتوى فارغ.
ويختتم المؤلف «الراقصون تحت المطر» بوصفات سريعة للنجاح في الحياة ويقدم 7 عادات يجب ان يحرص عليها كل انسان يريد التميز وتحقيق طموحاته.
أكد أن كثرة المهتمين بالقراءة والشأن الثقافي في الكويت تبشر بالخير
العبدلي لـ «الأنباء»: نفاد الطبعة الأولى من الكتاب خلال أقل من 3 أشهر
أحمد صابر
أكد مؤلف «الراقصون تحت المطر» د. ساجد العبدلي ان القراءة الحرة هي رحلة استمتاع وتأمل وسياحة في مختلف مجالات الآداب والعلوم، موضحا ان الإنسان قد يجد فكرة ملهمة في كتاب يتحدث عن الحيوان أو النبات او الجغرافيا او في رواية أدبية مثلا، لافتا الى ان كتابه ثقافي منوع، آملا أن يجد القراء فيه نجوما تضيء طرقهم وبصائرهم.
وأعرب العبدلي في تصريح خاص لـ «الأنباء» عن سعادته الكبيرة بالحفاوة التي تلقى بها الجمهور الكتاب، كاشفا عن نفاد الطبعة الأولى خلال أقل من 3 شهور من صدوره، مضيفا: «هذا وسام شرف وضعه القراء على صدري، ويضعني في موقف صعب وأسعى دائما لتقديم الأفضل احتراما لذائقة القراء».
ويرى ان العلاقة بين الكاتب والقارئ تكاملية ومهمة جدا، وأهمية كلاهما لا تقل عن الآخر، فالكتاب الذي لا يقرأه أحد كأنه لم يكتب من الأساس، معتبرا ان كثرة المهتمين بالقراءة والشأن الثقافي في الكويت «تبشر بالخير»، ويجب الانتباه الى ذلك ودعمه وتشجعيه، مبديا تفاؤله بمستقبل التأليف والنشر وتسارع وتيرة الانتاج الادبي خاصة مع ظهور أجيال شابة واعدة في هذا المجال.