أكثرنا يستعمل كلمة الديموقراطية ولا يعرف معناها، لأن للديموقراطية أصولا وأخلاقيات كاملة لا يمكن اختراقها قبل فهم معنى الكلمة. فالديموقراطية كلمة يونانية استعملها اليونان للتعبير عن نوع الحكم الذي يكون للناس أو للعامة. ويجب قبل استعمالها أن تدرك خصوصيتها. ونحن استعملنا هذه الكلمة دون التعمق في فهمها واكتفينا بتعريف الحكم الذي لدينا بأنه حكم ديموقراطي. ولكن في المراحل الأخيرة أصبحنا نسيء لهذه الكلمة ونسيء إلى أخلاقياتها وأسلوب العمل بها. فهذا النوع من أنظمة الحكم جاء بعد فترة طويلة من حكم الملوك وحكم الارستقراطيين والطبقة الغنية المتنفذة. كان الخروج بحكم الشعب إلى الوجود انقاذا للشعب، ولكن هذا الحكم له أخلاقيات وأهداف نبيلة وأساليب لكيفية العمل به. ولكن ما وصلت إليه أوضاعنا في الكويت واستعمالنا السيئ لكلمة الديموقراطية وخاصة بعد أن سمينا الممارسات الديموقراطية بالعرس الديموقراطي، وهذا الوصف مع الأسف الشديد صار مستعملا بعد أن وجدنا ما يحدث في الأعراس من إطلاق نار ومخالفة للأنظمة والقواعد الديموقراطية ما أدى إلى وصف هذه الديموقراطية بنفس الأوصاف.
ففي آخر ماراثون من الاستجوابات التي حدثت في مجلس الأمة وصل الحوار فيه من بعض النواب المتكلمين في هذه الجلسات موجهين كلامهم إلى رئاسة الوزراء بأسلوب فيه قلة من الأدب والاحترام لمن هم أكبر منهم عمرا ومكانة ووظيفة. فقد قال أحدهم موجها كلامه لسمو رئيس الوزراء كما جاء في جريدة السياسة «حاسب القيادات النفطية أو اترك منصبك... استجوابك أقرب مما تتوقع» وكأن المنصة التي يقف عليها المستجوب أصبحت مقصلة للإعدام وطرح الثقة وإنهاء منصب الوزير.
يا إخوان، ليس هذا هو القصد من الاستجواب، فالتهديد بهذا المعنى هو إهانة للاستجواب، وأشعر بالحزن والأسى أن يصل الحوار في أهم نقاشات مجلس الأمة إلى هذا المنحدر الخطير.
إن غياب الاحترام والتقدير في مناقشات مجلس الأمة، مؤشر خطير على انحرافنا عن الديموقراطية، فمثل هذا الأسلوب يعتبر غير مقبول، كما أن مثل هؤلاء الأشخاص غير مرغوب فيهم أيضا في المجلس. لقد كان من الواجب على رئيس المجلس أن يلقن هذه المجموعة غير المنضبطة والتي لا تحترم رجالات الدولة دروسا في الأخلاق والمخاطبة السليمة بين الأفراد مقدرين مكانتهم السياسية والشعبية وأعمارهم. كما يفعل هو شخصيا عند ذكر أي اسم لأحد النواب باستعمال لفظ النائب المحترم فلان.
لا يا اخوان، هذه ليست هي الديموقراطية، وليس هذا هو أسلوب النقاش الديموقراطي بل يجب أن نطور مستوى الحوار وأن يتولى مجلس الأمة مسؤولية إعطاء كل نائب جديد دروسا تدريبية في كيفية المخاطبة والكلام. ففي الكونغرس الأميركي يعتبر النائب الجديد في دورة تدريبية لمدة سنة، على شاكلة الطبيب الجديد الذي يبدأ ممارسة مهنته.
فاحترموا بعضكم بعضا وكونوا اخوة متحابين واحرصوا على مصلحة البلد قبل تعديكم على الآخرين وحتى على أسلوب النقاش في البرلمان، فلو استمر الوضع كما هو عليه الآن، فالسلام على الديموقراطية، وإذا مارسناها بهذا الأسلوب فلا نستحق الديموقراطية وكل جهودنا لبناء شعب حضاري تكون قد ذهبت هباء. ويا حيف على الديموقراطية، ويا أسفي على تحويل الديموقراطية في الكويت إلى حديث شوارع. وكان الله في عون الكويت.