كثر الكلام هذه الأيام وتضاربت الآراء حول إنهاء خدمات الوافدين، وكأن أعضاء مجلس الأمة ليسوا كويتيين.
لقد عشنا في زمن صعب قبل 50 عاما، وكانت حياة صعبة، وكان أغلبنا من الأميين، وتعاقدنا مع الوافدين الذين ضحوا بحياتهم الطيبة وجاؤوا إلى الكويت وكان أغلبهم لكسب العيش وليس لطمع في خير الكويت.
أما الكويتيون في ذلك الوقت فقد شاركوا الإخوة الوافدين شظف العيش الذي يعيشونه وبدأوا في جهد كبير في بناء نهضة الكويت، وغيروا بوجودهم معنا طعم الحياة.
فقد رأينا لأول مرة شوارع مرصوفة، ومساكن مكيفة، وحياة فيها الخير والبركة، قاسمناهم كل شيء وتحملوا معنا جميع الصعاب وبدأنا نتعلم منهم، ولهم فضل علينا جميعا لأنهم دربونا وعلمونا وعالجونا، جميعهم كانوا من الوافدين.
واستمرت حياة التعايش معا من دون أي مضايقة أو أي نكران للذات لغير الكويتيين.
فكانوا بالفعل رحماء طيبين.
والآن تتعالى الأصوات الشاذة تنادي بالتخلص منهم من دون أن نكون قد أعددنا من أبنائنا من سيحل محلهم، كما أن الوضع الاقتصادي يعتمد عليهم، فالغالبية منهم يصرفون أموالهم على عوائلهم داخل الكويت.
ولكن مع الأسف نسينا أن نسبة أعداد الكويتيين قليلة رغم التجنيس الذي تم والمخالف لجميع القوانين، وقد زادت فيه الأمية بدلا من التخلص منها والقضاء عليها.
ولو فكرنا قليلا فإن مصير الكويت من غير الوافدين هو أمر أقرب إلى المستحيل.
فمازالت شوارعنا تنظف من قبلهم، ومازالت الكويت محتاجة إلى خبراتهم، ولو كان لدى الكويتيين ذرة من الفكر لرفضوا ذلك لأنه لا توجد لدينا أعداد كافية من الكويتيين للقيام بالأعمال التي يقوم بها الوافدون.
وأخيرا.. استغرب أن أحدا لم يفكر في إنتاجية الفرد الكويتي وخاصة أن الدراسات الحكومية السابقة أكدت على أن معدل إنتاجية بعض الموظفين الكويتيين لا تتعدى الثلاث ساعات يوميا.
فكيف ندعو إلى إحلال الكويتيين بدلا من الموظفين الوافدين دون أن يكون العدد الكافي من العمالة المدربة والمؤهلة.
فلا داعي لكل هذه الضجة في جميع وسائل الإعلام والاتصال والذي يعتبر إهانة لهم، فلحد الآن لا بدائل جاهزة لكل كويتي للعمل في المرافق الحكومية، بالإضافة إلى أن أعداد الكويتيين لن تكفي لشغل جميع المساكن التي يسكنها الوافدون.
وما على المتبجحين إلا القيام بجولة بسياراتهم في الكويت ومحافظاتها لمشاهدة هذا العدد الكبير من العمارات التي يحلم بها أصحابها، والتي سوف تحتاج إلى المزيد من أعداد الوافدين لصيانتها وإبقائها بحالة جيدة قبل اندثارها.
وعادة ما يلجأ المحتاج من أصحاب هذه العمارات في الكويت إلى البنوك للاقتراض منها لتعويضهم عن الخسائر التي ستلحق بهم بعد أن يقل عدد المستأجرين وهم في الغالبية من الوافدين، وهي نفس البنوك التي تستقبل ودائع الوافدين.
عجبا، إن العيش الذي نعيشه الآن قد أنسانا صعوبة العيش الذي كنا نعيشه في السابق حين كان الناس هم بلسم الحياة لنا.
فقليل من الفكر والتعقل والاحترام لمن خدمونا حتى وصلنا إلى وضعنا الحالي.
وكان الله في عون الإخوة الكويتيين الذين سيبقون بعد عودة الوافدين إلى بلادهم.
وعليهم أن يتذكروا معاناة الكويتيين بعدما تدخلت السفارة الفلبينية لحماية رعاياها، فإذا كنا لا نستطيع العيش من دون الخدم في البيت فكيف سنعيش بعد هجرة الوافدين إلى بلادهم، والله المستعان.