أصبحت الكويت الآن حريصة على التعاون بين القطاعين الخاص والعام. بسبب أن هناك أعدادا كبيرة من الكويتيين العاملين في القطاع العام مقابل أعداد قليلة في القطاع الخاص، وما زالت الحكومة تشجع الكويتيين على الانتقال إلى العمل في القطاع الخاص لأن الشخص يمكن أن يبدع في القطاع الخاص أكثر منه في العمل الروتيني اليومي في القطاع العام.
ورأت الحكومة أن أفضل الوسائل لتشجيع الانتقال من القطاع العام إلى الخاص هو «دعم العمالة» الكويتية في القطاع الخاص، حيث إن الحكومة تشجع الشباب بأن يلتحقوا بالعمل في القطاع الخاص بجميع الوسائل. وبالتالي أقرت صرف مبالغ نقدية مقابل هذا الانتقال.
أو مباشرة المشروعات الصغيرة التي يقوم بها الشباب لتساعدهم في دعم رأسمالها بعد دراسة الجدوى للمشروع وأهميته لهم.
وأذكر أنني كنت مرة في زيارة لشركة نفط الكويت لإلقاء محاضرة عن البيئة وخاصة موضوع التلوث الهوائي.
وبعد المحاضرة دعوني لتناول الغداء معهم وفوجئت بأن القاعة المخصصة للغداء محاطة بعدة أكشاك لإنتاج بضاعتهم، وكان أغلبها مع الأسف الشديد عبارة عن مأكولات بمختلف أشكالها وأنواعها على أمل أن يتطور مستقبلا، ولكني رأيت أن الكثير من المطابخ كان من يعمل بها أفراد من غير الكويتيين، الأمر الذي جعلني أتساءل كيف ندعم مثل هذه المشاريع الخاصة بينما المعنيين بالأمر يتناولون غداءهم خارج الشركة؟ مع أن الأكل المتميز هو الأكل الطبيعي والصحي الذي يتماشى مع أحوال المطاعم المنتشرة في أميركا، حيث إن أغلب أصحابها يفتخرون بأنها قريبة من الطبخ المنزلي.
ولا أعرف لماذا يفضل الإنسان الأكل في الخارج عن المنزل رغم شكوكه بصحته؟ وبطبيعة الحال يكون سعره أغلى من المنزل، إضافة إلى أن الأكل في المنزل أرخص وفوائده كثيرة فهو يخلق جوا من التآلف والتآزر والتجانس بين أفراد الأسرة، وهو أمر مهم جدا من الناحية التربوية والعاطفية والصحية.
بينما الأكل خارج البيت ما هو إلا عادة سيئة ستكبر وستفرض على كل فرد فيها تناول الوجبات السريعة التي في أغلبها أغذية غير صحية وقليلة المنفعة وتزيد الغربة والفرقة بين أفراد العائلة.
ومن جانب آخر فإن تشجيع الشباب على المبادرات الجيدة وإعطائهم الدعم المالي لمثل هذه المبادرات لن يؤثر على تقليل العمالة غير الكويتية.
لأن الهدف من تشجيع الكويتيين ليس من أجل إنشاء مطابخ وأماكن للأكل، بل الأهم من ذلك هو أن نشجع الكويتيين على العمل في مجال تجارة المواد الغذائية الذي له أهمية كبيرة في استبدال غير الكويتيين بالكويتيين، وهذا يدخل في مجال ما نسميه بالأمن الغذائي الذي يجب أن يكون الكويتيون هم المسؤولون عنه وحدهم.
وخاصة وأن عدد محلات المواد الغذائية أكثر من 40 ألف محل وأغلبهم من غير الكويتيين، أي أن الأمن الغذائي في الكويت ليس بيد الكويتيين.
على هذا الشكل يجب أن يكون التفكير وأن تعطى أولوية التكويت للصناعات المختلفة حتى نضمن أن يكون الأمن الغذائي بيد الكويتيين، وأن تتخذ القرارات بعد القيام بدراسات حول أولوية المشاريع التي نشجع فيها الكويتيين على ممارستها.
أما إعداد الغذاء وتقديمه فيمكن لأي كان أن يقوم به وذلك على غرار الأكلات السريعة التي تقدمها شركات الأكل وتشجع الناس على تبني مثل هذه المشاريع لأي كان أن يقوم به.
فمتى يا ترى نفكر بأسلوب استراتيجي عن نوعية التجارة التي تكون في صالح الاقتصاد الكويتي؟ وهذا الأمر ينطبق على الكثير من المجالات التي تدخل في أمن الكويت.
إن الإكثار من منح الفرص ودعم عمليات إعداد الغذاء التي لديها جدوى من الناحية الاقتصادية هما من الوسائل المهمة إذا أردنا أن نحمي فعلا أمن الكويت الغذائي.
فلنكثر من التفكير والدراسة في القطاعات الاقتصادية المختلفة واختيار الأولوية من بينها للتكويت قبل أن نبادر بدعم العمالة والذي يجب أن يكون مبنيا على دراسة جدوى وفائدة لمصلحة الكويت، فالأمر ليس مختصرا على تهيئة أكشاك للغذاء وإنما نقوم بجميع ما يضمن الأمن الغذائي التعليمي والصحي وغير ذلك.
والسؤال الأخير وراء كل هذا، ماذا سيكون مصير الكويتيين المحالين للتقاعد في أعمار لا تتعدى الأربعين ومجلس الأمة يسعى إلى استحداث قانون للتقاعد المبكر؟
والأهم من كل هذا أن نقنع الكويتي ونشجعه على تولي البيع لمنتجاته شخصيا بدلا من العمالة المستوردة التي تقوم بهذه العملية وأغلبها من الإناث الفاتنات.