لماذا الانتظار والتلكؤ في تأديب إيران بشكل شامل وحقيقي كما كان ومازال يهدد السيد ترامب؟ سؤال يقودنا إلى سنوات مضت حين تحرش العراق بإيران ومزق اتفاقية الجزائر وبدأ حربا خرج بعدها الاثنان محطمين.
وإن كانت إيران انشغلت بتدوير عجلة اقتصادها بشكل أسرع، إلا أن العراق أبى إلا أن ينهش في لحم جيرانه معتقدا أن ذلك سيعافي اقتصاده المنهار ويشغل جنوده المنهارين في لعبة حرب جديدة كان يظنها نزهة سهلة بسيطة.
القصد، منذ ذلك التاريخ، تاريخ تمزيق وثيقة الجزائر والمنطقة «تخرج من حفرة لتقع في دحديرة» كما يقول المصريون، منذ ذلك التاريخ وكلما شمت دولة من دول المنطقة نفس عافية إلا وابتليت بفيروس تدمير من أنواع مختلفة وبالطبع على رأس دول المنطقة إيران والعراق وعلى الدول الخليجية كتب أن احلبوا واحلبوا الضروع حتى لا تقوم لها قائمة بالتطور وتكتفي بنماء سكاني يهدد بالانفجار، وتحويلات بالمليارات على حساب أسلحة، خوفا ودرءا لأخطار تخلق لها.
دول الخليج كافة أصبحت كمن وضع في غرفة دامسة الظلام وفعل به كل ما يخطر على البال من نهش وعض وضرب وإيذاء، فما ردة فعله حين يوضع مرة أخرى في ذات الأجواء؟ ولتحريك ذكريات الرعب ولتحقيق أمل من المحيط إلى الخليج أرضك يا إسرائيل، تم تحييد المنطقة تدريجيا من كلمة العدو وتحويله من الشمال الغربي إلى شرق الخليج.
جعلونا نغض الطرف عن عدو نووي يضرب بكل القوانين والمفاهيم الإنسانية عرض الحائط ويرتكب كل يوم آلاف الجرائم ضد الإنسانية. صرنا لا نرى فيه سوى الديموقراطية وسواحل تعج بالسائحين وناطحات سحاب ورجال أعمال فتحنا لهم خزائننا المنتفخة وجيوبنا المخرومة.
البعبع صار هناك على الشاطئ الشرقي متربصا بالمنطقة وساستها وناسها والسبيل التسليح والتسليح وصرف المزيد من الأموال على التسليح صار البعبع ذلك الذي انشغل بالتنمية بعد سنين الحرب وكانت تنميته للأسف تنمية عسكرية.
المؤسف أن هذا العدو الافتراضي لا يعرف آداب السلوك الحسن، وهو على درجة من الوقاحة تجعله يخطئ المرة تلو الأخرى دون أن يكلف نفسه الاعتذار أو تصحيح المسار.
والنتيجة ترسيخ المفهوم الجديد وتأكيد عدوانيته وشراسته حتى صار أشبه بسمكة قرش مسعورة تعبث في كل أرجاء الخليج والمنطقة.
نحن وهم، طرفا الخليج العربي أو الفارسي، أيا كان اسمه، علينا أن نفضفض لبعض وأن نستمع لبعض، أن يضمنا حوار واحد صريح نتخلص فيه مما علق في القلوب، لنبدأ مشوار إطفاء حرائق الحروب واستثمار وقودها في التنمية والبناء ووضع مصلحة شعوب المنطقة فوق مصلحة عمولات السلاح.
وقتها سنكون قوة لها ثقلها في العالم ولن تضيع ثرواتنا في تسليح الخوف، وربما نصنع مجلس تعاون حقيقي يضمنا جميعا دون النظر للغة أو فروقات مذهبية.