الحاجة إلى الثقة بالآخر لدى الإنسان رغبة قديمة متجذرة فيه إذ أنه يحتاج تصديق الآخرين له وثقتهم فيه ويشعرهم بثقته فيهم، وتتجلى هذه الرغبة العميقة وفقا لما ذكر صاحب كتاب داخل العقل النقدي بشكل أكبر لدى الأطفال إذ تكون حاجتهم إلى تصديق الآخرين مفتاحا لجميع العلاقات تقريبا مع أقرانهم ومع الكبار، فهم يصدقون كل ما يقال لهم وكذلك الكبار أنفسهم يستأنسون بأن يصدقوا كلام الأصدقاء ويقدمون الثقة بين يدي أي علاقة تعارف أو مصلحة منجزة.
إن الرغبة نفسها تختلف عن التصديق والثقة اللذين يجلبان الهدوء والأمان للذات فهي الشعور بأن تصديق الآخر يجعلنا أقوى وأكثر ثقة بأنفسنا، نحن نستشير الآخرين لأننا نحب أن نصدق أحدا ما ويشعر بثقتنا به ولا يستطيع الإنسان الشكاك أن يهدأ ويرتاح نفسيا، والأمر ينطبق على إنسان في موازاة إنسان وكذلك على إنسان في موازاة كيان، إننا نحب أن نثق بمنتج ما أو ماركة معينة أو حتى بوسيلة إعلامية أو جهة حكومية أو مؤسسة أهلية، لأن الميل لتصديق الأخبار أقرب من التشكيك وما إن نكتشف أن ثقتنا بطرف ما في محلها حتى نصبح أداة تسويق لهذا الطرف ومدافعين عنه كما لو أنه جزء منا، بل وربما نسوق له حتى قبل أن تكون الثقة عالية.
إن وسائل الإعلام المختلفة والمشاريع الخطابية التوجيهية وشركات الدعاية ومؤسسات الترويج للسياسات تستشير هذه الرغبة كثيرا وتستخدمها بذكاء في جذب الناس وكسب ثقتهم أولا ومن ثم زرع الإيحاءات الكثيرة في اللاوعي الخاص بهم، إن هذه الرغبة العميقة رغم أهميتها في جعل حياتنا سهلة وبسيطة وبأقل قدر من الشكوك والنوايا السيئة إلا أنها من دون عمليات التدقيق والتصفية ومن دون مهارات الوعي التي يجب أن يطورها الإنسان نتيجة الصدمات والتجارب الفاشلة في الحياه تجعل الإنسان فارغا مما يجعل الآخرون أفرادا أو مؤسسات لا يلتزمون بالصدق تجاهه، لذلك فلقد كانت تصفية الخطابات وفرزها وفهمها هي أهم ما يقوم به العقل النقدي، أما تصديق الآخرين فإنه يجب أن نتأكد أنه لا يعطل ملكات العقل النقدي وخصوصا في القضايا التي تكتسب طابع استشعار قدرات الإنسان وملكاته وممتلكاته.
انه لكي يتكامل العقل النقدي فإنه لابد أن يتصف بالابتكار والإبداع المستمر لتقديم البديل الناجح إذ إن وظيفة النقد هي خلق الفرص والطاقات الابداعية.