- توطين الوظائف في القطاع العام حق مشروع كفله الدستور للمواطنين بهدف توفير وظيفة مناسبة لهم وفق مؤهلاتهم ومهاراتهم
- الدستور لا يولى الأجانب الوظائف العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون وللكويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه
- قانون الخدمة المدنية نظّم التعيين في الوظائف العامة للكويتي بصفة دائمة أما غير الكويتي فيكون تعيينه بصفة استثنائية
- في حقيقة الأمر أنه وفقاً للممارسة في تطبيق أحكام الدستور والقانون أصبحت الوظيفة المؤقتة في نطاق واسع وظيفة دائمة وليست مؤقتة بالنسبة لغير الكويتيين
- المطالبات بتوطين الكويتيين في الوظائف العامة في مضمونها مطالبات مستحقة دستورياً وقانونياً لكن يعاب على تلك المطالبات بأنها جاءت دون دراسة وتخطيط وستكون نتائجها كارثية
- توطين الوظائف العامة يجب أن يأتي في سياق المعالجة الموضوعية بعد تقييم الدروس المستفادة من أزمة وباء فيروس كورونا المتعلقة بالخلل في إدارة التركيبة السكانية
- تفعيل دور ديوان المحاسبة ولجنة الميزانيات والحساب الختامي بالرقابة على شغل الوظائف العامة وفق الصلاحيات الممنوحة لهما بالدستور والقانون
- منع التعيين على العقود المؤقتة بشكل مطلق في أي وظيفة تتوافر متطلباتها في الكويتيين كما يمنع إصدار أي استثناءات في تلك المسألة
- المطلوب إعادة النظر في آليات المفاضلة بين المتنافسين على الوظائف العامة وفي نظام تقييم أداء الموظفين المعمول به حالياً
- وضع برنامج زمني لتوطين الوظائف العامة متوسط المدى (1 - 3 سنوات) مرهون بتهيئة البيئة السليمة لتنفيذ ذلك
- إعادة النظر في التشريعات بما لا يسمح للمعينين على العقود المؤقتة بالعمل في غير أوقات العمل الرسمي بما في ذلك نظام الاستعانة بالخدمات
إن المطالبة بتوطين الوظائف في القطاع العام حق مشروع كما هو الحال في القطاع الخاص، وذلك بهدف توفير وظيفة مناسبة للكويتيين وفقا لمؤهلاتهم ومهاراتهم، وقد يكون القطاع العام أولى بهذا الحق استنادا لأحكام الدستور والتي اعتبرت الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، هذا ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العام، ولا يولى الأجانب الوظائف العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون، كما منح الدستور كل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه، باعتبار أن العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه.
وبصدور القانون 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية نظم القانون التعيين في الوظائف العامة، بحيث يعين الكويتي بالوظائف العامة بصفة دائمة، أما غير الكويتي فيكون تعيينه بصفة استثنائية وبوظائف مؤقته تأسيسا لأحكام الدستور وذلك بعقود عمل متنوعة تم تنظيمها من قبل مجلس الخدمة المدنية.
ووفقا لقراءتي لرؤية المشرع في هذا القانون فإن عند تعيين غير الكويتي بعقود مؤقتة يكون الغرض منها واضحا واستثنائيا، وذلك إما لعدم وجود العدد الكافي من الكويتيين ممن تتوافر فيهم المؤهلات والشروط لبعض الوظائف، أو بهدف الاستعانة بخبرات لا تتوافر في الموظف الكويتي، وعليه فإن تلك الوظائف من المفترض أن تكون مرهون الاستمرار فيها بوقت زمني واضح بعد نقل الخبرة المطلوبة، وكذلك بتوافر الكفاءات والمؤهلات في الكوادر الكويتية للوظائف الأخرى، وهو التفسير الموضوعي لتلك الأحكام وغير ذلك من تفسير يعتبر تفريغا للقانون.
لكن في حقيقة الأمر ووفقا للممارسة العملية في تطبيق أحكام الدستور والقانون أصبحت الوظيفة المؤقتة في نطاق واسع وظيفة دائمة وليست مؤقتة بالنسبة لغير الكويتيين.
وعلى الرغم من ردود الأفعال خلال الفترة السابقة على موضوع تعيين غير الكويتيين في الوظائف العامة والمطالبة بتوطينها والتي في مضمونها مطالبة مستحقة دستوريا وقانونيا، إلا انه يعاب على مثل تلك المطالبات وردود أفعال الرأي العام بأنها جاءت بالمطالبة بالتوطين المطلق دون دراسة وتخطيط مسبق والتي ستكون نتائجها بلا شك كارثية، فهل يمكن تصور الوضع كيف سيكون عندما يتم الاستغناء عن كل الطاقم الطبي غير الكويتي في وزارة الصحة خلال سنة، أو كادر التدريس في المؤسسات التربوية؟، وغيرها من تلك الوظائف الحيوية، كيف سيتم تسيير تلك الخدمات؟ وكيف سيكون مستوى جودتها؟.
وللأسف، هناك من يجاري الرأي العام من السياسيين بشقيهم ويدفع بتلك المطالبة دون دراسة ولا تخطيط، مع تأكيدنا السابق أن توطين الوظائف العامة مستحق دستوريا وقانونيا.
إن أزمة تفشي وباء كورونا ألقت بظلالها على جوانب عديدة بالدولة فبدأت صحيا ثم اقتصاديا وماليا، والآن الأزمة أبرزت الخلل في التركيبة السكانية، وهناك من يحمل الإدارة تبعات تلك الأزمة والآخر يعزو الأمر إلى سوء التخطيط وغيرها من الأسباب، وفي موضوع نشر لي سابقا بعنوان «الادارة المالية بالدولة في ظل إدارة الازمات» وضحت فيه أهمية إدارة الأزمات.
وفي إدارة الازمات دائما تكون هناك دروس مستفادة بعد الخروج من تلك الأزمات، ومن خلالها تصدر توصيات لمعالجة العديد من المشاكل التي أفرزتها تلك الأزمة، لذلك فموضوع توطين الوظائف العامة يجب ان يأتي في سياق هذه المعالجة الموضوعية والمدروسة، لا أن يأتي من خلال ردود الأفعال والمقترحات بقوانين والتي في وجه نظري غير مدروسة مع كل التقدير لمقدميها.
لذا أرى أنه من المناسب طرح بعض الإجراءات والاعتبارات التي أرى من الموضوعية أن تتم مراعاتها في مسألة توطين الوظائف العامة:
1 - قبل التفكير في أي خطوات إجرائية بتوطين الوظائف العامة يجب تهيئة البيئة المناسبة للتوطين من خلال إعادة النظر في كل القرارات التنفيذية المتعلقة بشغل الوظائف العامة بما في ذلك الوظائف القيادية والإشرافية، بحيث يتم ربط التعيين وفقا للكفاءة والجدارة والاستحقاق واجتياز الاختيارات التحريرية والمقابلات الشخصية، وألا يتم التعيين وفقا الإجراءات التقليدية التي تعتمد على الأقدمية كأساس للأفضلية.
2 - تطوير آليات المفاضلة بين المتنافسين على الوظائف بحيث لا تقتصر على الشهادات الأكاديمية فقط وإنما الشهادات المهنية سواء المحلية أو الدولية، خاصة بعد اللغط الكبير الذي طال سمعة الشهادات الأكاديمية والتي أثرت سلبا على جودة الخدمة العامة.
3 - إعادة النظر في نظام تقييم أداء الموظفين المعمول به حاليا نظرا لثبوت عدم فاعليته، وعدم قدرة النظام على تحقيق العدالة للموظفين المتميزين فعلا، وذلك لتأثر التقييم بالجانب التقديري للمسؤول المباشر، وهو عامل شخصي، وحتى التعديل الأخير الذي تم على نظام تقييم الأداء والذي عالج موضوع الالتزام بالدوام لا يتسم بالموضوعية كما انه لا يعتبر كافيا.
4 - تفعيل قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بإصدار لائحة تنفيذية تتضمن مبدأ الثواب والعقاب تعزيزا لمبدأ المسؤولية والمساءلة واحترام قواعد سلوك العمل، وأن يكون احد عوامل قياس الأداء للموظفين.
5 - الالتزام بما يهدف له المشرع بالأحكام التشريعية بقصر الوظائف العامة على الكويتيين، وفيما يتعلق بتعيين غير الكويتيين فيكون ذلك استثنائيا وليس استثناء حتى لا يتم تشريع الاستثناء كقاعدة عامة وتخضع للقرار الشخصي، والحالة الاستثنائية تكون مقصورة إما لعدم توافر العدد الكافي من الكويتيين لشغل تلك الوظائف، أو بهدف الاستعانة بخبرات لا تتوافر في الكويتيين، هذا وما يستلزم من إعادة النظر في القرارات التنفيذية لتحقيق ذلك.
6 - يمنع التعيين على العقود المؤقتة بشكل مطلق في أي وظيفة تتوافر متطلباتها في مخرجات مؤسسات التعليم المختلفة من الكويتيين كما يمنع إصدار أي استثناءات في هذا الشأن.
7 - تتم معالجة الوضع القائم الناتج عن عدم تنفيذ هدف المشرع وفقا لما تم توضيحه سابقا من خلال وضع برنامج زمني متوسط المــدى (1 - 3 سنــوات) لعملية الإحلال، والبرنامج الزمني مرهون بتهيئة البيئة السليمة لتنفيذ ذلك والموضحة بالفقرات السابقة، مع مراعاة عدم تجديد العقود المؤقتة المعنية بالفقرة (6) بأي حال من الأحوال بعد انتهاء البرنامج الزمني.
8 - إعادة النظر في التشريعات بما لا يسمح للمعينين على العقود المؤقتة بالعمل في غير أوقات العمل الرسمي (المادة 25 من قانون الخدمة المدنية)، بما في ذلك الاستعانة بالخدمات لجهات أخرى حكومية أو غير حكومية سواء بشكل جزئي أو كلي، كما يتم منع الاستعانة بخدمات من هم في القطاع الخاص سواء بشكل جزئي أو كلي أيضا.
9 - إصدار تشريعات تحكم الرقابة على التعيين غير المباشر من خلال عقود الخدمات، والتي في ظاهرها تقديم خدمات وفي مضمونها تعيين موظفين على تلك الخدمات.
10 - ان يكون نطاق تطبيق الإجراءات المتعلقة بتوطين الوظائف العامة يسري على الوزارات والإدارات الحكومية والهيئات ذات الميزانيات الملحقة والمؤسسات ذات الميزانيات المستقلة والشركات المملوكة بالكامل للدولة، وان أي تشريع يصدر في هذا الشأن يسري على تشريعات الجهات المشار إليها.
11 - التفكير جديا في تطبيق البديل الاستراتيجي بشأن توحيد سياسة الأجور في الجهات الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة، وإلغاء كل الموافقات الاستثنائية الصادرة من مجلس الخدمة المدنية لبعض الجهات والمتعلقة بمنح تعويضات ومزايا للعاملين فيها.
12 - قصر القرارات المتعلقة بشؤون التوظف والأجور والمكافآت والمميزات العينية والنقدية على مجلس الخدمة المدنية دون غيره، وبغض النظر عن باب الميزانية الذي يتم تحميله بتلك الأجور والمكافآت، وذلك استنادا الى المادة 155 من الدستور والتي تنص على ان ينظم القانون شؤون المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت التي تقرر على خزانة الدولة، حيث صدر القانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن نظام الخدمة المدنية، وانه لا يتم الالتفاف على هذا القانون باللجوء إلى مجلس الوزراء لإصدار لوائح مالية خاصة للبعض الجهات.
13 - تفعيل دور ديوان المحاسبة وفقا للمادة 12 من قانون إنشائه، حيث منحه المشرع سلطة فريدة من نوعها، وهي في حال عدم موافقة الجهة الحكومية على الاخذ برأي ديوان المحاسبة بشأن القرارات المتعلقة بشئون التوظف والمعترض عليها من قبل ديوان المحاسبة، فإنها تعتبر موقوفة بقوة القانون إلى ان يستقر على اتفاق هاتين الجهتين بشأنها، وإلا عرض الموضوع على مجلس الوزراء للبت فيه.
14 - تفعيل دور لجنة الميزانيــات والحســــاب الختامي من خلال إحكام الرقابة على الاعتمادات المالية المخصصة للعقود والمدرجة في باب الرواتب والأجور أو الاعتمادات المالية المدرجة في الأبواب الأخرى للميزانية والتي يمكن أن تستغل اعتماداتها في التعيين غير المباشر، مع التأكيد على وضع قيود وتأشيرات بقانون ربط الميزانية بهذا الشأن.
15 - إعادة صياغة برنامج عمل الحكومة ورؤية الكويت 2035 بحيث يكون توطين الوظائف العامة ضمن الركائز الأساسية لبرنامج العمل والرؤية.
ختاما، إن توطين الوظائف العامة وضبط التعيين على العقود المؤقتة رغبة مشروعة ومتسقة مع الدستور، ولتحقيق تلك الرغبة يستلزم العمل على هذه المسألة بشكل موضوعي ومدروس ومخطط له بشكل جيد وبقناعة كل الأطراف ذات الصلة لضمان تحقيق ما هو مأمول من توطين الوظائف.