- اللواء العلي: «روادع» تكبح الطرفين عن الانتقال من «حافة الهاوية» إلى المواجهة المباشرة
- د.العجمي: «المكملات الإستراتيجية» تحقق لإيران أهدافها دون الاضطرار للحرب
- د.الجهيم: واشنطن وطهران تستهدفان «مآرب أخرى» غير الحرب
- د.الغانم: الغلبة العسكرية حالياً لواشنطن.. وفاتورة الحرب تجعل إيران لا تفضلها
- الحرمي: أسواق النفط العالمية باتت «محصنة نفسياً » من تصعيد ترامب ضد خصومه
محمد البدري
يتابع العالم بقلق بالغ حالة الشد والجذب الراهنة بين الولايات المتحدة وإيران، ترقبا، لما ستسفر عنه من تداعيات آنية ومستقبلية، فيما تقف دول المنطقة على أطراف أصابع قدميها، تحفزا، لاحتمالات وقوع مواجهة عسكرية بين الجانبين.
«الأنباء» استشرفت آراء خبراء عسكريين وسياسيين لاستجلاء احتمالات نشوب الحرب في منطقة الخليج في المدى الزمني المنظور من عدمه، وذلك في ضوء دوافع وقدرات الطرفين الرئيسيين لهذه الحرب المحتملة.
تصعيد دون «حافة الهاوية».. و«مآرب أخرى»
اللواء متقاعد محمد عيسى العلي يرى أن موازين القوى الاستراتيجية الراهنة بين الولايات المتحدة وإيران ترجح كفة واشنطن، لاسيما على المستوى العسكري والاستخباراتي، الأمر الذي يمنح الغلبة لاميركا ويجعل طهران هي الخاسرة في حال نشوب أي مواجهة عسكرية بينهما، وهو ما يوجد حالة من «الرادع النفسي» لدى كلا الطرفين، يكبحهما عن خوض حرب رغم أنهما قد يواصلان التصعيد إلى ما دون «حافة الهاوية».
وأوضح العلي ان واشنطن تمتلك قدرات استخباراتية فائقة، ولديها منظومات صاروخية متطورة قادرة على تحجيم القدرات العسكرية الإيرانية مهما بلغ تطورها بل ربما تدميرها وهي على الأرض حتى قبل أن تعمل، فقوة إيران الصاروخية المدمرة سيتم تدميرها - في حال الحرب - من قبل أميركا قبل ان الانطلاق، ما يعني «ردعا من النقطة صفر»، إضافة إلى عشرات القواعد الأميركية في العراق والتي تشكل عنصر آخر لردع إيران دون الحاجة لخوض مواجهة عسكرية واسعة النطاق.
وعن الهدف المركزي من وراء الحشود العسكرية الاميريكية في المنطقة طالما يرجح ألا تكون هناك حرب في الأفق، قال اللواء العلي إن إدارة الرئيس دونالد ترامب لن تقدم على هذه الحشود عبثا وإنما تريد من خلالها توجيه رسالة مزدوجة إلى إيران مفادها ان الولايات المتحدة لديها ما يكفي من القوة لإسكات طهران وإلجامها لفترة طويلة من جهة، ومن جهة أخرى، إجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وهي مؤهلة نفسيا وسياسيا لتقديم أكبر قدر ممكن من التنازلات فيما يخص الاتفاق النووي، فضلا عن الرغبة الأميركية في تقريب الموقف الاوروبي منها أكثر فيما يتعلق بهذا الاتفاق، حيث ترى الإدارة الأميركية الحالية ان هذا الموقف ما يزال داعما لإيران على نحو يشجعها على التشدد في إعادة التفاوض على الاتفاق كليا او جزئيا.
من جهته، قال د.أسامة الجهيم مدير مركز البحوث والدراسات التخصصية إن ما يدور من شد وجذب بين واشنطن وطهران فيه استفادة لكلا الطرفين، وإن كانت الاستفادة الأميركية أكبر من نظيرتها الإيرانية، ومن ثم فإنه على الأرجح لن تقوم الحرب، فالتصعيد الراهن له «مآرب أخرى»، أميركيا وإيرانيا ليس بينها خوض الحرب.
وأوضح ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى لاستغلال الورقة الإيرانية لتحقيق أهداف مرحلية تتمثل في حشد التأييد لإعادة انتخابه في العام المقبل، ويدعم ذلك خبرة جميع الرؤساء الأميركيين السابقين الذين استخدموا الأمر نفسه لبلوغ ذات الغاية، فضلا عن المنافع الأخرى التي ستجنيها واشنطن من صفقات سلاح وتوسيع تواجدها العسكري في المنطقة.
وبالنسبة لإيران، يرى د.الجهيم أنها مستفيدة من الأزمة الحالية، لأنها بحاجة لإعادة توحيد جبهتها الداخلية المفككة نسبيا، والتلويح بوجود تهديد من عدو خارجي مثل الولايات المتحدة متفق عليه من المنظور الايراني، يجعل الجميع في الداخل يتسامون على الخلافات ويتوحدون لردع هذا الخطر المحدق بالأمن القومي.
من جانب آخر، تستهدف طهران من وراء هذا التصعيد وبعد أن خذلها الدعم الأوروبي، الحصول على مساعدات ودعم علني واضح من القوى الدولية الأخرى وفي مقدمتها: روسيا والصين، التي ظلت تقدم العون لإيران ـ حتى الآن - على استحياء عقب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي قبل عام تقريبا.
أكبر من التهديد وأقل من الحرب
وفي السياق ذاته، وصف الخبير الاستراتيجي د.ظافر العجمي التوتر الحالي بين أميركا وايران بأنه حالة أكبر من مجرد التهديد لكنه لن يرقى إلى مستوى الحرب، مشيرا إلى أن التحضيرات والحشود الأميركية في المنطقة على ضخامتها لا تؤشر إلى حضور حقيقي باتجاه الدخول في صدام عسكري مع طهران، مؤكدا أن «واشنطن لم تحضر بكامل قوتها حتى تحارب».
وبين د.العجمي انه على الجانب الأميركي جاءت الحشود العسكرية الأخيرة كإجراء احترازي خشية تحرك إيراني غير مسبوق ضد مصالح واشنطن أو حلفائها في المنطقة، وذلك ردا إدراج واشنطن الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية، وتشديدها العقوبات على طهران لخنقها اقتصاديا عبر «تصفير» صادراتها النفطية.
وأضاف: لكن تم تحييد التهديدات الإيرانية المتوقعة إلى حد بعيد، وبالتالي تستغل الولايات المتحدة الوضع الراهن لممارسة مزيد من الضغوط على إيران في الملف النووي.
وعلى الجانب الإيراني، يرى د.العجمي أن طهران لا تسعى للحرب وليست بحاجة إليها، لأنها تعمل على تحقيق أهدافها والضغط على الخصم الأميركي من خلال «مكملاتها الاستراتيجية» أي أذرعها الممتدة في المنطقة، لافتا إلى إرسال إيران رسائل الى واشنطن بأنها لن تستهدف إسرائيل في الوقت الراهن سواء بشكل مباشر او غير مباشر.
وتوقع د.العجمي أن تسفر الأزمة الحالية في نهاية المطاف عن إعادة التفاوض على الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني المبرم عام 2015، ولكن إيران تسعى إلى أن يتم ذلك بمسميات أخرى (مثل: ملحق أو بروتوكول معدل أو غير ذلك)، حفظا لماء وجه النظام الإيراني وعدم انهيار شرعيته داخليا.
فاتورة باهظة للحربد.
عبدالله الغانم أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت توقع أن يمتد أمد الأزمة الأميركية - الإيرانية الحالية، مبينا أن تفوق الولايات المتحدة - حتى الآن - في الجولة الحالية من التوتر لا يعني ان الأمر قد حسم لصالحها، إذ تتمتع إيران بـ «نفس سياسي طويل» ولديها القدرة على المناورة لفترة زمنية طويلة، فضلا عن استخدام أدواتها المختلفة لتجنب مواجهة عسكرية مباشرة مع أميركا، كما تثبت تلك الخبرة التاريخية في العلاقات بين واشنطن وطهران، حيث تستطيع الأخيرة إلحاق الأذى بالخصوم دون ان تكون مضطرة لخوض حرب، وربما هذه القدرة تفسر تصريحات بعض السياسيين والعسكريين الإيرانيين مؤخرا بأنهم لا يريدون الحرب ولا يسعون إليها، فهم فعلا لا يفضلون مواجهة عسكرية مباشرة مع واشنطن، بسبب كلفتها الباهظة عليهم، عسكريا واقتصاديا وسياسيا.
ومن الكوابح الاقتصادية التي تحول دون تحول السجال الأميركي ـ الإيراني الحالي الى مواجهة عسكرية، عدم تأثر النفط العالمي، إنتاجا وسعرا، بهذه التطورات.
إذ يرى المحلل النفطي كامل الحرمي أن التوتر الحالي لم يجعل أسعار النفظ العالمية «تحت التهديد» بسبب وفورات العرض وتلبيتها لاحتياجات المستهلكين الرئيسيين، وهذا ما يفسر عدم تجاوز سعر برميل النفط حاجز الـ 75 دولارا رغم التصريحات النارية وتبادل التهديدات بين طهران وواشنطن.
وأضاف ان الأسواق العالمية والدول المنتجة والمصدرة للنفط باتت محصنة نفسيا من التصعيد الذي داب عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كل مرة يدخل فيها في سجال مع الدول التي يعتبر ان لها خصومة مع واشنطن، فلقد بقيت أسعار النفط على حالها رغم تهديده بالخيار العسكري في فنزويلا وهي منتج نفطي عالمي قوي.
أما من جهة إيران، يرى الحرمي انها كذلك غير راغبة في إحداث إرباك جوهري في سوق النفط العالمي بقدر ما تسعى إلى تقليص أثر العقوبات الأميركية على صادراتها النفطية، وكسرها بشكل أو بآخر.
صفوة القول، إنه في ضوء المعطيات الاستراتيجية الراهنة، عسكريا وسياسيا، ووفق حسابات الربح والخسارة طويلة الأجل، لكل من الولايات المتحدة وإيران، فإن الحرب لن تقع بينهما في منطقة الخليج في المدى المنظور.
ويبقى استمرار منسوب التوتر وحدة التوتر بين واشنطن وطهران، وتغير وتيرته - صعودا وهبوطا - رهنا بالمصالح المستهدفة من وراء ذلك، وقدرة الطرف الآخر، ومرونته فيما يخص تقديم تنازلات أو تفضيل أولويات ما على ما عداها، طبقا لأهدافه المرحلية، ومرئياته السياسية، وتوقعاته لما يمكن أن يحصل عليه من فوائد محلية وإقليمية ودولية، استنادا لتوازنات القوى القائمة والمحتملة.