- «المالية» تواجه معضلة في كيفية تسوية مصروفات العُهد الخاصة بأزمة «كورونا» في حسابات الوزارة (الحسابات العامة)
- قرار تحمُّل وزارة المالية التبعات المالية المتعلقة بمواجهة «كورونا» يتنافى مع سياسة اللامركزية بالميزانية والصرف
- تحميل ميزانية وزارة المالية تكاليف أزمة الجائحة لا يتسق مع مرسوم إنشاء الوزرة
- أي تصرفات مالية مشوبة تتعلق بميزانية «كورونا» سيتحملها وزير المالية بشكل مباشر بصفته المعني بتلك الميزانية
بقلم: بدر مشاري الحماد
نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
baderalhammad.com
تناولت بعض المصادر الصحافية أن وزارة المالية تدرس خيارات لتدقيق مستندات صرف وتسوية ميزانية مواجهة تداعيات انتشار جائحة كورونا والبالغة 500 مليون دينار.
كما أشارت تلك المصادر الى أن معظم تلك الميزانية قد صرفت على حساب العهد من قبل 11 جهة حكومية، وذلك استنادا الى قرار مجلس الوزراء القاضي بتحمل وزارة المالية (الحسابات العامة) التكاليف المالية المترتبة لاستئجار مقار الحجر الصحي والمصروفات المترتبة عليها، مع احتياجات الجهات الحكومية كافة من مستلزمات سلعية ومعدات وغيرها لمواجهة فيروس كورونا، وذلك خصما من ميزانيتها.
وتواجه وزارة المالية معضلة بشأن كيفية تسوية تلك المبالغ في حسابات وزارة المالية (الحسابات العامة) نظرا لحجم المبالغ المنصرفة والمستندات الخاصة بها.
وفي رأيي أن قرار مجلس الوزراء سالف الذكر والقاضي بتحمل وزارة المالية (الحسابات العامة) التكاليف المالية المتعلقة بمواجهة فيروس كورونا، خصما من ميزانيتها ليس في محله ولأسباب عديدة منها:
أولا: إن قرار تحمل وزارة المالية التبعات المالية المتعلقة بمواجهة فيروس كورونا يتنافى مع الاتجاهات الحديثة التي انتهجتها الإدارة المالية للدولة منذ السبعينيات من القرن الماضي والمتمثلة في التحول من مركزية الموازنة والصرف الى اللامركزية، وكان آخر القرارات في هذا الاتجاه إلغاء مركزية الصرف على المهمات الرسمية، ومصروفات الضيافة، ومصروفات شراء المقرات التابعة للجهات الحكومية بالخارج، ومصروفات الدورات التدريبية.
ثانيا: إن إلغاء المركزية يتسق مع أحكام الدستور المتعلقة بمسؤوليات كل وزير وإشرافه على شؤون وزارته، وعلى وجه الخصوص مسؤولية الوزير أمام مجلس الأمة عن أعمال وزارته، كما أن تبعات قرار مجلس الوزراء المشار اليه قد يجعل تلك المسؤولية مشاعة بين وزير المالية والوزراء الآخرين المعنيين بالصرف من ميزانية مواجهة تداعيات انتشار جائحة كورونا.
ثالثا: إن تحميل ميزانيات الجهات المعنية بتكاليف الصرف الخاصة مواجهة تداعيات انتشار جائحة كورونا تأتي تنفيذا للتشريعات المنظمة لأعمال تلك الجهات، ومن أهمها قوانين ومراسيم إنشائها، فتحميل ميزانية وزارة المالية بتلك التكاليف لا يتسق مع مرسوم إنشاء وزارة المالية من جهة، ولا يتسق مع قوانين ومراسيم الجهات الحكومية الأخرى المعنية.
رابعا: بموجب قرار مجلس الوزراء المشار اليه، فإن أي تصرفات مالية مشوبة تتعلق بميزانية مواجهة تداعيات انتشار جائحة كورونا سوف يتحملها وزير المالية بشكل مباشر تجاه الأجهزة الرقابية بصفته الوزير المعني بتلك الميزانية، خاصة ان بعض التشريعات والقرارات التنفيذية لها تحمله المسؤولية بشكل مباشر، وعلى سبيل المثال المادة 14 من قانون إنشاء جهاز المراقبين الماليين رقم 23 لسنة 2015 والمتعلقة بامتناع المراقب المالي عن توقيع الاستمارة في حال عدم توافقها للقوانين والقرارات والتعليمات المالية وبعد استيفاء المستندات المؤيدة، ولا يتم تمرير تلك الاستمارة إلا بتوقيع الوزير المعني وعلى مسؤوليته.
خامسا: عدم وجود القدرة البشرية والنوعية لدى وزارة المالية (الحسابات العامة) للتدقيق على مصروفات ميزانية مواجهة تداعيات انتشار جائحة كورونا، خاصة أن بعض تلك المصروفات تتميز بأنها ذات طبيعة فنية خاصة تتعلق بطبيعة الجهات التي قامت بتنفيذها ولا يمكن لوزارة المالية التعامل معها.
سادسا: إن مصروفات ميزانية مواجهة تداعيات انتشار جائحة كورونا قد خضعت للأنظمة الرقابية المختلفة بالجهات الحكومية المعنية بما في ذلك الأجهزة الرقابية الخارجية كديوان المحاسبة وجهاز المراقبين الماليين، وان تحميلها وزارة المالية (الحسابات العامة) سوف يترتب عليها إعادة عرضها على الأنظمة الرقابية المشار اليها قانونا، باستثناء ديوان المحاسبة (الرقابة المسبقة)، ولا يمكن إلغاء عرضها مرة أخرى بسبب استقلالية الأنظمة الرقابية.
سابعا: إن التفكير بتكليف وزير المالية لجهاز المراقبين الماليين باعتماد وفحص جميع المستندات المؤيدة للصرف على النحو التي أوردتها المصادر الصحافية، استنادا الى المادة 9 من القانون رقم 23 لسنة 2015 بإنشاء جهاز المراقبين الماليين، فان هذا التفكير ليس في محله لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الفنية الموضوعية، وأتمنى ألا يقع وزير المالية بذات الأخطاء التي وقع به زملاؤه السابقون من وزراء المالية عندما تم تكليف جهاز المراقبين الماليين بتدقيق مصروفات علاج المواطنين بالخارج، ومطالبات المواطنين عن كوارث السيول والأمطار، وذلك لسبب جوهري وهو انه لا يمكن لوزير المالية أن يكلف المراقبين الماليين بأعمال هي في الأصل من صميم أعمالهم والتي هي منظمة بالقانون ولائحته التنفيذية، حيث إن المادة رقم 9 المشار اليها تتعلق بجواز تكليف وزير المالية الجهاز بالرقابة على أية جهة أخرى أو أعمال يرى ضرورة رقابة الجهاز عليها، وليس تكليفهم بذات الأعمال التي يقوم بها المراقبون الماليون.
هذا، وسوف أوضح مسألة مدى جواز تكليف جهاز المراقبين الماليين بمراجعة مستندات صرف الجهات الحكومية خارج الدورة المستندية للنظام المالي في موضوع مستقل مستقبلا لتوضح وجهة نظرنا الموضوعية في هذه المسألة.
لذا، فإن الأسلوب الأمثل لمعالجة المعضلة التي تواجه وزارة المالية في تسوية مصروفات ميزانية مواجهة تداعيات انتشار جائحة كورونا، هو بأن تتم إعادة النظر في قرار مجلس الوزراء القاضي بتحمل وزارة المالية (الحسابات العامة) مصروفات مواجهة فيروس كورونا، هذا على أن تتحملها ميزانية الجهات المعنية من خلال تعزيز ميزانيتها، وان تطلب ذلك إعادة النظر في توزيع الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2021/2020.