بقلم: د. هشام أحمد كلندر.. طبيب متخصص بالإدارة الصحية
[email protected]
[email protected]
مع احتدام جائحة فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء العالم، يجب ألا ندع رغبتنا في الحصول على أرقام واضحة تعمينا عن مخاطر قراءة إحصاءات الصحة العامة وخاصة من قبل غير المختصين.
من المفهوم أن أفراد المجتمع يريدون شيئا لفهم التقدم المثير لفيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء العالم. تساعد الأرقام على تحديد الاختلافات بين الدول وتعطي شعورا بأنه يمكننا فهم ما يحدث. للأسف، الأمور ليست بهذه البساطة.
لا يجب مقارنة أرقام الدول مباشرة حيث تلك العملية قد تساهم في تضليل الرأي العام ووصف صورة مغايرة للوضع الراهن.
كما هو معلوم يتم عرض خرائط وإحصائيات عديدة على الإنترنت من جهات مختلفة لوصف تطورات فيروس كورونا المستجد لدول العالم المختلفة، ولكن ماذا لو كانت هذه الأرقام لا ترسم الصورة الكاملة؟
بالنسبة إلى الأشخاص الذين يقارنون البيانات ويحاولون تحديد الكيفية التي تتصدى الدول المختلفة بها لهذا الوباء، يحذر الخبراء من خطورة هذه المقارنات، فالدول لديها معايير إبلاغ مختلفة، ونهج مختلف للاختبارات وتتبع الحالات، كذلك هناك فروقات كثيرة في السياسات الصحية.
كل ذلك يجعل مثل هذه المقارنات مضللة بشكل خطير وخاصة مع الافتقار إلى المقارنات المتشابهة مع الدول المتماثلة، فإننا نجازف في صنع استنتاجات خاطئة من دولة إلى أخرى. هناك العديد من المتغيرات التي تؤثر على ذلك، ولكن فيما يلي بعض المتغيرات التي توضح المشكلة في عمل المقارنات بين الدول:
أحد هذه المتغيرات اختلاف الوصول إلى الاختبارات. تمتلك الكثير من الدول الفقيرة أعدادا منخفضة جدا من الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد لأنها ببساطة لا تخضع لأي اختبارات.
ولكن بغض النظر عن السياسات التي تحدد من الذي يتم اختباره، فإن نظام الرعاية الصحية في الدولة يحدد أيضا ما إذا كان قادرا أو راغبا في ذلك.
أعطت المملكة المتحدة الأولوية لاختبار العاملين في الخطوط الأمامية والأشخاص الذين يعانون من الأعراض الشديد لدرجة أنهم بحاجة إلى دخول المستشفى بشكل عام.
إذا لم تختبر الأشخاص، فلن تظهر أرقامهم في السجلات الوطنية والعكس صحيح كلما زادت الاختبارات التي يتم إجراؤها للفيروس، كلما زاد معدل الإصابة بالفيروس. بشكل عام في كل الدول عدد الحالات الفعلي أعلى من عدد الحالات المؤكدة المسجلة.
من هذه المتغيرات الكثافة السكانية، حيث تعتبر الكثافة السكانية عاملا مؤثرا على انتشار المرض وهي مختلفة من دولة إلى أخرى.
فعلى سبيل المثال الكثافة السكانية لنيوزيلندا ١٨ شخصا لكل كم مربع بينما الكثافة السكانية لإنجلترا ٤٣٠ شخصا لكل كم مربع، أما في الكويت فتصل الكثافة السكانية إلى ٢٣٢ شخصا لكل كم مربع. بل ان الدول بدأت تتعامل مع المناطق بشكل مختلف متخذة أحد الاعتبارات في ذلك الكثافة السكانية.
من هذه المتغيرات أيضا التركيبة السكانية فبعض البلدان لديها المزيد من الأمراض المزمنة مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة. بينما ينتشر سوء التغذية والأمراض المعدية في بلدان أخرى.
كل بلد يختلف عن الآخر في الهرم السكاني أيضا فيوجد في إيطاليا عدد كبير نسبيا من كبار السن يتعدى ٢٢%، وقد تم إلقاء اللوم على هذه الحقيقة بأنها أحد الأسباب بارتفاع معدل الوفيات، أما في دول أخرى فتقل النسبة عن ٥%.
من الأسباب كذلك التي تجعلك تخشى من البيانات هو أنه ليست كل الحكومات لديها درجة عالية من الشفافية. بعض القادة يفضلون إبقاء الأرقام منخفضة لأن العدد الكبير من الحالات المؤكدة أو الوفيات تجعلهم يبدون سيئين.
تختلف طريقة تسجيل الوفيات اختلافا كبيرا بين البلدان. العديد من الوفيات تكون في دور الرعاية أو في منازل الأشخاص، وبالتالي لن يتم تسجيلها في الرقم اليومي للوفيات والذي قد يشمل فقط أولئك الذين يموتون في المستشفيات (كان هذا هو الحال في إنجلترا، حتى أواخر أبريل).
يأمل العلماء أن يساعد الاختبار الواسع النطاق للأجسام المضادة، الذي بدأ يكون متاحا على الأقل في بعض البلدان والذي يبين الشخص الذي أصيب بالمرض في الماضي على رسم صورة أكثر دقة للوباء.
صحيح أنه من دون البيانات لا يمكننا فهم الوباء، ولكن فقط استنادا إلى البيانات الجيدة يمكننا أن نعرف كيف ينتشر المرض، وما هو تأثير الوباء على حياة الناس في جميع أنحاء العالم.
ولكن يجب الوضع بعين الاعتبار أن حتى أفضل البيانات المتاحة حول جائحة فيروس كورونا المستجد يشوبها الكثير من النقص والثغرات، لذلك في حين أننا قد نكون قادرين على استخلاص بعض الاستنتاجات حول نتائج الدول لفيروس كورونا المستجد، يجب علينا توخي الحذر عند إجراء المقارنات المباشرة.