- الجيران: الحلول للحدّ من الجريمة وقائية وعلاجية ولاحقة
- الناشي: الإعلام له نصيب وافر في الحدّ منها
- العون: ضعف التدين وتفكك الأسرة سببان للسلوك الإجرامي
- السويلم: لدينا إساءة فهم للمادة 153 من قانون الجزاء
قال الله عز وجل: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، شرع القصاص لمكافحة جريمة القتل وصيانة المجتمع من الفساد وقد انتشرت في الآونة الأخيرة هذه الجرائم.. فكيف واجهت الشريعة الإسلامية الجريمة؟ وكيف عالجتها؟ وما أسباب ازديادها؟ هذا ما يجيب عنه أهل الاختصاص من رجال الشرع والنفس والقانون.
يقول د.عــبدالرحـمن الجيران: في الآونة الأخيرة ازدادت جرائم القتل بمعدلات تفوق المعدلات الطبيعية، وقد واجه الإسلام هذه الجرائم بـ3 أعمدة هي ركائز في الفقه الإسلامي جاءت في نصوص الكتاب والسنة بتحريم الدماء وتحريم العدوان على النفس البشرية، أما العمود الثاني فهو سد الذريعة والذريعة كل ما يتوصل به الى الشيء الممنوع المشتمل على مفسدة.
والعمود الثالث فلسفة الحدود في الإسلام، وأنواع العقوبات، اما ان تكون جوابر او زواجر.
وأضاف د.الجيران ان مواجهة اي جريمة تكون بطريقتين: الأولى قبل وقوع الجريمة، يأتي دور المؤسسات الإصلاحية الذي ينظمه قانون السجون، وكم هي جهود طيبة في الكويت يعملون بها، ثم يأتي الحق العام وهو حق المجتمع في حماية الثوابت، وقد نص الدستور الكويتي في مواده التي لو طبقت نصا وروحا لكانت كفيلة بالقضاء على اسباب الجريمة.
ويرى د.الجيران أيضا ان الحلول بيد السلطة التشريعية والقضائية وكذلك وزارة التربية والتعليم والحل يكمن في تنظيف المحيط الأسري وإزالة شوائب البيئة التي خرج منها المجرم. مؤكدا ان علماء النفس والاجتماع يقولون اذا وقعت جريمة في المجتمع ففتش عن الأسرة.
ومن الحلول ايضا اكثر من محور مهم وقائي وعلاجي واللاحق وأيضا دور وزارة الإعلام المطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بوضع أنظمة وتطبيقات وبرامج للحد من هذا الفضاء المفتوح وتفعيل الرقابة على من يتعدى او يخرق القانون، وكذلك هناك الوقاية العامة من خلال الأجهزة الأمنية ومؤسسات المجتمع المدني والمسجد والمدرسة والأسرة، وهناك وقاية خاصة من خلال شعار رفعه الراحل الشيخ سعد العبدالله - رحمه الله - كل مواطن خفير.
من جهته، قال رئيس العلاقات العامة والإعلام ورئيس تحرير مجلة الفرقان سالم الناشي: ان وسائل الإعلام لها دور كبير وفعال في الحد من ظاهرة انتشار الجريمة، وذلك من خلال الرسالة الإعلامية التي تبثها الى الجمهور من برامج واعية متطورة، فالإعلام يمكن ان يسهم بنصيب وافر في الوقاية من الجريمة ومكافحتها، وذلك من خلال تحصين أفراد المجتمع من السلوك الإجرامي والحد من آثاره السلبية على الفرد والمجتمع.
وإذا أردنا ان نوجز أهم النقاط الأساسية التي ينبغي على الإعلام التركيز عليها لكي يكون لها دور في مكافحة الظواهر السلبية نجدها في أهمية بث الوعي لدى أفراد المجتمع بالقيم الاجتماعية والدينية، وكذلك عمل ندوات ومؤتمرات لعلماء الاجتماع والتربية وعلماء النفس وعلماء الدين وحث أفراد المجتمع بأهمية غرس القيم في نفوس الأفراد للوقاية من ارتكاب الجرائم، وأيضا أهمية تسليط الضوء على الدور الإيجابي للمؤسسة التربوية والمدارس والمراكز الشبابية في حمايتهم ووقايتهم من الوقوع في براثن الجريمة، وإظهار بشاعة الجرائم والآثار المترتبة عليها بالوسائل والسبل المتاحة.
أسباب نفسية
وحول الأسباب النفسية في ارتكاب الجريمة، يقول مدير مركز العون للاستشارات النفسية د.عماد العون ان تتمثل في: ضعف مستوى التدين لدى مرتكب السلوك الإجرامي، وأيضا تفكك العلاقات العائلية وعدم الإشباع العاطفي لدى أفراد الأسرة، والاختيار السيئ للأصدقاء، وكذلك الفراغ النفسي وإثبات الذات السلبية لدى المراهقين والكبار، وذلك من خلال السلوك العدواني، بالإضافة الى تشوه بعض المفاهيم لدى المراهقين مثل مفهوم القوة والشجاعة وترجمة هذه المفاهيم بسلوكيات عدوانية خاطئة.
ومن الأسباب أيضا الألعاب الإلكترونية العنيفة، والإدمان على المواد ذات التأثير النفسي، والرغبة في الانتقام والثأر، والرغبة في تحقيق كسب سريع دون بذل اي مجهود، وكذلك اضطراب الشخصية وخاصة الشخصية المضادة للمجتمع، أما عن دوافع ارتكاب الجريمة فيعود الى عدة أسباب، يذكرها د.العون في: حب الانتقام والسيطرة والسعي نحو المغامرات غير الآمنة، والوصول الى حالة من الإحباط الشديد من الواقع الذي يعيشه مرتكب الجريمة، وأيضا الهروب من الواقع المظلم الذي يراه صاحب السلوك العدواني، وضعف إرادة التغيير نحو الأفضل.
أما عن طرق العلاج فيؤكد د.العون انه يكمن في علاج السلوك العدواني لدى الأطفال والمراهقين، وتعديل المفاهيم المشوهة لدى أفراد المجتمع لمفاهيم القوة والشجاعة والتحدي، وأيضا التدريب على التعبير عن المشاعر لدى الفرد، وطلب المساعدة من الجهة المعنية عند الحاجة، وزيادة الوعي الديني بين أفراد المجتمع مع زيادة المراقبة على الألعاب الإلكترونية، ومراقبة السلوكيات غير المسؤولة لمشاهير السوشيال ميديا، مع تفعيل دور مراكز الشباب في المناطق السكنية وضرورة تفعيل دور مختار المنطقة، والعمل على تكامل الأدوار لدى الجهات الحكومية والخاصة، وعمل دراسات ميدانية حول أسباب ونوع الجريمة في المجتمع الكويتي.
هذا، ويرى المحامي منصور السويلم ان الجريمة في الكويت يعزى سبب انتشارها الى عدة أسباب، منها قانونية وأخرى تعزى الى تهاون السلطات العامة في ممارسة دورها الحقيقي في منع وقوع الجريمة، وأخرى راجعة الى إساءة فهم النصوص فهما صحيحا، وذلك لعدم أخذ البلاغات بجدية من قبل السلطات العامة، فكثير من بلاغات بقضايا الخطف والتهديد بإلحاق الأذى والقتل قبل وقوع الجريمة تلقته الجهات الأمنية وتهاونت في اتخاذ الإجراءات القانونية التي تحول دون وقوع الجريمة، فالمادة 40 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 17 لسنة 1960 قد أوجبت على الشرطة تلقي البلاغات وفحصها وجمع المعلومات المتعلقة بها للحيلولة دون وقوع الجريمة.
كما أعطت المادة 145 للجهات الأمنية حق تقديم شكوى ضد من يقوم بتقديم بلاغ كاذب للموظف المختص.
أما السبب الثاني، فإن النصوص القانونية المجرِّمة لبعض الجرائم الواقعة على النفس عقوبتها الغرامة 150 دينارا او الحبس سنتين، كما في جريمة الضرب على نحو محسوس في المادة 160 من قانون الجزاء، الأمر الذي يحرض الأفراد على المساس بجسد الإنسان الذي صانته الدساتير والشرائع السماوية، فيتعين تعديل مبلغ الغرامة ليصل الى 4 آلاف بدلا من 150 دينارا، حتى يتحقق الردع والزجر العام، كما هو الحال في قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم 63 لسنة 2015 في المادة 3، حيث تصل عقوبة الغرامة الى 10 آلاف دينار.
وكذلك هناك بعض النصوص كنص المادة 159 من قانون الجزاء والتي تحرض الأم على قتل ولدها المولود سفاحا - دفعا للعار - وذلك بمعاقبتها إما بالحبس 5 سنوات او بالغرامة وهي عقوبة مخففة بالمقارنة بالعقوبة الحقيقية للقتل التي تصل للإعدام او المؤبد.
وكذلك نص المادة 153 من قانون الجزاء الذي يُساء فهمه وتفسيره من قبل الأفراد فيقتلون دون ان يكون هناك عنصر (المفاجأة والتلبس بالزنا او بالمواقعة) ظنا منهم بأنهم سيستفيدون من العذر القانوني المخفف للعقوبة وهي الحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات بما يسمى «جرائم الشرف» فالمشرع اشترط المعاصرة بين المفاجأة والقتل حتى يتمتع الزوج او الأب او الأخ بالعذر القانوني المخفف، فليس كل قتل بدافع الغيرة او الشرف يعتبر عذرا مخففا يطبق عليه نص المادة 153 فيمكن القول ان إساءة فهم النصوص القانونية قد يكون سببا يعزى لكثرة انتشار الجريمة وتحديدا جرائم الشرف.
والسبب الثالث هو أن بطء العدالة يضعف إيمان الأفراد بالضمانات القانونية، فيجعلهم يقومون بالمقاومة الشخصية للثأر لأنفسهم دون اللجوء للشرطة او القضاء، فبعض قضايا الجنح تصل الى المحكمة بعد سنتين الى 3 سنوات من تاريخ الشكوى، فلا يتحقق الزجر والردع للجاني ولا يشفي غليل المجني عليه المظلوم.