نحن بين يدي سورة القصص التي تتجلى فيها رحمة الله الخاصة في عباده المؤمنين، فقد ختم الله تعالى سورة النمل بقوله (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). آيات الله عز وجل الكونية اذا نظر اليها الانسان علم ان لهذا الكون إلهاً مدبرا وخالقا، ومن آيات الله الشرعية هذا القرآن المُنزل وهذا الوحي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتبع على الهدى، ومن آياته قصص الأنبياء، فجاءت سورة القصص يحكي جلها عن قصة سيدنا موسى عليه السلام ولكن لها عناية خاصة، حيث يخص سبحانه بالعناية موسى الرضيع ويبين لنا قصة هذا الوليد.
الحروف المقطعة
(طسم) هذه الحروف المقطعة التي بدأ الله عز وجل بها هذه السورة الكريمة، كما مر بنا، سر من اسرار القرآن، الله أعلم بمراده، ولكن المفسرين حاولوا ان يوفقوا بين المعاني ويختاروا منها، فذكر ابن كثير ان هذه الحروف المقطعة دلالة على إعجاز القرآن، فإنها تتحدى العرب، عرب قريش الذين نزل القرآن عليهم وكان التحدي بالإعجاز اللغوي الذي كان لديهم، وكانوا يفخرون به، فكأن الله سبحانه يقول لهم هذا القرآن من هذه الحروف المقطعة التي تتداولونها وتتكلمون بها وتتشدقون بالبلاغة فيها، فها انتم تعجزون عن الإتيان بسورة منه ولا حتى بعشر آيات فهذا مما يرجح عند ابن كثير، لأن القرآن عادة اذا جاءت هذه الحروف المقطعة جاء بعدها ذكر كتاب الله عز وجل.
آيات بينات
(تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) هذه الآيات تبين الحق وهي في حد ذاتها بينة واضحة لا لبس فيها ما ان يسمعها الانسان ويعقلها حتى يعلم انها الحق ولذلك نجح الاستعمار وهو بالأحرى الاستخراب الغربي لبلادنا الاسلامية في قطع الشباب والأمة عن اللغة، فأصبحت الأمة لا تفقه كتاب الله عز وجل وأصبحت الآيات بالنسبة للشباب غريبة لا يعرفون معانيها، ولذلك فإذا جهلوا معانيها جهلوا الحق الذي تدل عليه، لكن الله سبحانه متم نوره وحافظ دينه وهو تعالى تكفل بحفظ القرآن الكريم ومن حفظ القرآن حفظ لغة القرآن، هذه الآيات التي أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بينة للحق دالة على الهدى والخير.
أحداث تاريخية
(نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يخاطبنا الله عز وجل بعظمته حيث يقول لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نحن (نتلو عليك)، نقص عليك، (نبأ) خبر موسى حقيقة وفرعون بالحق لقوم يؤمنون، يؤمنون بماذا؟ حذف المعمول مما يدل على العموم، يؤمنون بكل ما أنزل الله عز وجل، ويؤمنون بالله واحدا أحدا لا شريك له، ويؤمنون بنبيه الذي أرسل، ويؤمنون بكتابه الذي أنزل، ويؤمنون بكل الملائكة وبكل الكتب، وبكل غيب ذكره الله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وسلم فهم يؤمنون إيمانا صادقا، ولم يقل الله عز وجل للمؤمنين، ولكن جاء بالفعل المضارع ليدل على أن هذا الإيمان مستمر ويتجدد، أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يزيد وينقص.
حاكم ظالم
يقول الله عز وجل (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً....) الآية، يحكي لنا الله المشهد التاريخي للواقع الاجتماعي الذي كان سائدا آنذاك، حاكم ظالم طاغ سيطر على البلاد التي حكمها بالحديد والنار، كان ظالما لأهله ولم يكتف بظلمه بل استعلى في ذاته وتجبر وتكبر على ربه، فقال أنا إله يعبد، وهذه سياسة كل ديكتاتور لا يريد أن يجمع الناس على خير ولكن يريد أن يفرقهم فاستضعف بني إسرائيل وهم قوم شرّفهم الله عز وجل بالإيمان ـ نحن لا نتكلم عن إسرائيل الآن - بل عن بني إسرائيل وهم بنو يعقوب عليه السلام الذين نزلت فيهم النبوة وهم أيضا من نسل إبراهيم عليه السلام. وبدلا من أن يكرم فرعون هؤلاء الأخيار المؤمنين أهانهم واستعبدهم فقتل أبناءهم واستحيا نساءهم، يعني جعلهن على قيد الحياة حتى يكن في خدمته وحتى تكثر النساء على الذكور فتغلب الذكور (إنّه كانَ من المُفْسِدينَ).