د.عبدالسميع بهبهاني - خبير واستشاري نفطي الرئيس التنفيذي لشركة أسكا للاستشارات البترولية
حين نقرأ تقارير الأسواق عن النفط ومستقبله، تمتزج مشاعر القلق بالتفاؤل، ما يسبب تزايدا في تذبذب أسعار النفط (high volatility)، وذلك لتناقض أهداف صناديق المضاربة مع منتجي النفط.
وللأسف يغلب عادة قرار المضارب على قرار المنتج، خاصة وبصورة أكبر على منتجي دول أوپيك.
وكأنما العلاقة بين المضارب أو المستثمر من جهة والمنتج من جهة أخرى هو علاقة «قص ولصق» أي متى ما تشاءم المضارب تشاءم المنتج. وهنا نحاول فهم مدى تجانس هذه العلاقة من تناقضها.
الراصد للتحديات المستقبلية للنفط الخام يمكن أن يلخصها في عامل أساسي واحد «زيادة العرض على الطلب»، وهذا يحدث إما لزيادة العرض كما في 2014 أو في قلة الطلب كما يُطرح للمستقبل! ومن ثم انهيار الأسعار أو بقاؤها في الحضيض غير الاستثماري! في هذا البحث نكتفي بمسببات قلة الطلب:
- بدائل الطاقة المتجددة.
- وسائل النقل الكهربائية.
أرى في كلا التحديين مبالغة في التقييم.
لنؤجل الطاقة المتجددة الى مقال آخر، ونناقش نموذج سيارات النقل الكهربائي ومدى تأثيره على الطلب للوقود النفطي. نموذج السيارة الكهربائية الحديثة بدأت من شركة «تسلا» واتبعتها شركات مثل «جي ام» و«بي ام دبليو» والسيارة الصينية ذات الوقودين.
ولعل سيارة «تسلا» هي النموذج الأمثل في تقييم مستقبل السيارات الكهربائية واثرها على استهلاك الوقود الأحفوري (النفط)، سوف نتقاضى هنا المشاكل الحالية التي تواجه الشركة «تسلا» من تسريح 700 موظف ومن التأخر في الحصول على مليارين ونصف المليار دولار (2.5 مليار دولار) لتوسعة مصانعها للإيفاء بإنتاج السيارات موديل 3 الرخيصة وخسارة مليار وسبعمائة مليون دولار والمشاكل الفنية كطول فترة شحن البطاريات وعمرها الافتراضي وغيرها كعقبات حقيقية أمام الوعود والطموحات لمستقبل السيارة. لنفترض أن الخطة المستقبلية لإنتاج السيارة سائرة حسب الخطة.
إن ما انتج من السيارات الشخصية لـ«تسلا» في 2016 هو 2 مليون سيارة مقابل 92 سيارة ومن وقود حرق أي ما يعادل أقل من 2%.
خطة «تسلا» أن تنتج 6% من السيارات الشخصية في 2040 ومن باب التفاؤل لنرفع النسبة الى 12% فإن هذه النسبة من السيارات توفر (أي تستغني) للسوق نصف مليون برميل نفط يوميا (أي أن 0.5 مليون برميل يوميا) خارج السوق أمام إنتاج نفطي منخفض قدره 100 مليون برميل يوميا (أي ما نسبته 0.5%)، وهذا ما نسبته من بنزين السيارات في برميل النفط الخام أي أنها نسبة مهملة جدا ولا تشكل تحديا.
الحسبة السابقة مبنية على احصائية أن 47% من انتاج النفط يذهب للنقل، 25% منها للسيارات (16% خاصة و٩% كرينات وشاحنات وغيرها) و75% من النفط الخام يذهب الى وسائل نقل القطارات والطيران والسفن.
إذن وباعتبار هذه النسب، فإن رقم 500 ألف برميل يوميا أمام 100 مليون برميل «إنتاج»، رقم مبالغ فيه لتتحدى فيه السيارة الكهربائية سيارات صرف الوقود الأحفوري.
هذه النتيجة يفسرها البعض بالتشاؤم لمستقبل النفط الخام، بينما المنطق الاقتصادي يستنتج العكس، فالفائض من النفط نتيجة السيارة الكهربائية هي كمية مهملة ولا تشكل تحديا بل إن المشتقات والصناعة المكملة ستبرز.
حينها الشركات والدول المنتجة للنفط ستتجه الى مشتق حرق منافس ونظيف وأكثر اطالة وحرارة في استهلاك بأقل كمية وأعلى سعر، فحاليا برميل المشتق يفوق سعر بيع برميل الخام بمقدار 15 - 20 دولارا للبرميل.
وعند تحليل البنية الأساسية للسيارة الكهربائية تجد أن ٨٠% من بنية السيارة هي مواد بترولية مصنعة من سوائل ومواد تعدين صلبة، وهذان العاملان فقط يبشران بمستقبل سعري مربح للدول المنتجة للنفط القادم، وهي فرصة لتطوير المصافي والصناعات التكميلية بتحدي كلفة منتجها لزيادة الهامش الربحي وليس الإسراع في جلب مصادر طاقة فاشلة اقتصاديا لتنافس سلعة موجودة وتنتج بأرخص الأثمان!
كلمة أخيرة للمؤسسات الحكومية أن تتجه الى المهنية في طرح المشاريع، فالجدوى الاقتصادية يجب أن تكون هي المعيار في طرح المشاريع وليس الاستعراض التقني ولو على حساب الإنتاج النفطي.
وكنتيجة عامة فان بدائل الطاقة الأحفورية مشاريع فاشلة الى سنة 2040 حينها يمكن التفكير في البدائل التي ستكون تطورت كثيرا في وقتها.