د.عبدالسميع بهبهاني خبير واستشاري نفطي ورئيس شركة أسكا للاستشارات البترولية
العامل الجيوسياسي هو العامل الأكبر المؤثر حاليا في استقرار السوق بعد أن تجاوزت «أوپيك» بسحب اكثر من ٦٠% من الفائض التجاري للنفط. إن العامل الجيوسياسي عادة يستفيد منه المضارب ويتضرر منه المنتج. حينما نتحدث عن العامل الجيوسياسي نعني بذلك المؤثر المباشر في الإنتاج والنقل من جهة والاستثمار النفطي من جهة اخرى.
يمكن القول إن السنوات الثلاث القادمة هي أعوام عدم استقرار في مناطق إنتاج اكثر من 40% من الطلب العالمي للنفط، حوض الخليج العربي. ولا نبالغ إن قلنا إن هذه التوترات السياسية في طريقها إلى الاستقرار، ولكن الخطر الأكبر هو في تحالف دول التعاون الاقتصادي الأوروبي في تسييس دراسات ومشاريع البيئة من الطاقة النظيفة والمتجددة التي لا نرى فيها منطقا علميا مقنعا، فالمنتج البترولي تحمل ضرائب غاز ثاني اوكسيد الكربون البترولي وليس الفحمي! (وليس غاز الميثان الأكثر نسبة!)، ثم الانحباس الحراري الذي بني على فرضيات تناقض الأرقام الحقيقية ثم تحفيز صناعة السيارات الكهربائية الخاصة بدفع مبالغ تشجيعية من الحكومات وآخرها مشروع منع صناعة سيارات الوقود النفطي في 2025، كل ما فرض نفسه على الدول المنتجة للنفط مبني على فرضيات وهمية.
هناك اتجاه أوروبي يحاول فرض نفسه بالاستفادة من تفكك «أوپيك» رغم امتلاكها جميع مؤهلات القوة. ولا أدل على ذلك انه عندما «تفككت» «أوپيك» سياسيا انهارت الاسعار، وعندما «اتفقت» بدأت الاسعار بالصعود مرة اخرى، وعندما «قررت» بدأت قفزات الاسعار. «أوپيك» في مصالحها الاستراتيجية تتناغم معها اكثر دول آسيا وعلى رأسها الصين وتتفق معها أميركا وروسيا كدول منتجة للنفط. لا نقول ذلك نكاية في أهمية البيئة أو إهمالا لها ولكن نرفض المبالغة في وصف هذه المؤثرات وحصرها في النفط، بالإضافة الى تسييسها.
المشكلة المحيرة انه رغم ان لمنظمة أوپيك قسما لدراسات التسويق والابحاث العلمية فإنها تكرر كالببغاوات وتصرح بدراسات دون تقييم على طريقة «قص ولصق» بل تذهب اكثر من ذلك وتطبق بغير منطق اقتصادي ولا حتى بيئي مشاريع الطاقة البديلة المكلفة على ميزانية دولها، فقط للاستعراض التقني!
الكويت نموذج غير موفق للتأثر في هذا التصعيد الجيوسياسي من جهة فرض علينا خفض الانتاج رغم عدم وصولها الى سقفها المحدد (٣ ملايين برميل يوميا) والكويت تعاني من حبس ٥٠٠ ألف برميل يوميا من النفط وتعطيل 18 تريليون قدم مكعبة من الغاز في المنطقة المقسومة جنوبا (برا وبحرا) والحكومة بدأت باستيراد وسائل طاقة بديلة (شمس وهواء!) لتكون عبئا على ميزانية الدولة في الوقت الذي بدأت تتنفس الصعداء لارتفاع أسعار النفط. ورغم تفاؤلنا بأن السنوات الثلاث القادمة (في ارتفاع الاسعار) هي من مصلحة نوعية النفط الكويتي، إلا أن ما يحبطنا هو المشاريع الاستعراضية المكلفة التي تسرق من المكتسبات القادمة.