كل من يزور العراق - بلد الثروات والمقدسات - يشاهد بأم عينيه البؤس والفقر وضعف الخدمات واهتراء المنشآت العامة، لكنك تفاجأ بصبر الشعب العراقي وصموده وكرمه والتفاته حول مرجعيته الدينية ونظامه السياسي، وهذا سر انتصاره على «الدواعش». لكن للصبر حدودا، وحان الوقت للتعبير عن الضيم الذي تحمله طويلا، وبالأخص منذ تسلق البعثيين سدة الحكم في 1968 الذي دمر العراقيين بالإرهاب الداخلي، وأدخله أتون الحروب الخارجية.
حتى لاح لهم فجر الخلاص مع القضاء على نظام المقبور الديكتاتور صدام حسين في 2003، لكن مع مرور الوقت وتعاقب شعارات ووعود القوى السياسية العراقية لم يلاحظ إلا المزيد من التقهقر التنموي، وزيادة الفساد الإداري، والتوسع في نهب المال العام بشكل مفضوح وسافر على وسائل الإعلام بالصوت والصورة، بل والتجرؤ بتباهي بعض السياسيين بقصورهم في أوروبا وسياراتهم الفارهة وتضخم أرصدتهم الى مصاف ميزانيات دول. ولا يقابل ذلك تحركا حقيقيا وجادا لمطاردة هؤلاء الحرامية ومحاكمتهم واسترداد المال العام منهم.
هذه التظاهرات والاحتجاجات الحالية ضرورية لتوصيل رسالة غضب الشعب العراقي الذي ابتلي بمئات الآلاف من الأيتام والثكلى والأرامل وجيل من ذوي الإعاقة الجسدية، بعدما أعطى آلاف الشهداء والجرحى.
لكن وجدها أيتام الدواعش وذوو المقبور صدام، ومن لا تعجبهم السياسة الخارجية التي تقود العراق للتوادد الإقليمي، وضد التطبيع الإسرائيلي، ومن لا يريد للعراق الصدارة والقيادة، فرصة سانحة للاندساس بين هذه الصفوف الجماهيرية النقية في غضبها.
مطلب الهدوء الجماهيري وتنقيته من المندسين، لا بد من مقابلته بوضع برنامج تنموي معلن، بجدول زمني صارم، ترافقه برامج إصلاحية وخطط جادة لرصد سراق المال العام لمحاكمتهم واسترداده تحت ملاحقة «من أين لك هذا؟».
يقول أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام لوليه على مصر مالك الاشتر رضوان الله عليه: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا، تغتنم أكلهم»!