عبدالرحمن العوضي
أستغرب حقا من هذا الحوار الذي يدور في كثير من وسائل الاعلام وما نسمعه في الدواوين من تغيير عطلة الدوام الى السبت. وحتى البعض من اعضاء مجلس الامة حاولوا ان يلبسوا الموضوع لباسا دينيا وتشبها باليهود والنصارى، ولا اود ان ادخل معهم في سجال لأن من حقهم ان يُبدوا مثل هذه الملاحظة خاصة ان عالمنا ذا القطب الواحد يتحكم في مصير العالم من خلال مفاهيم المسيحية الصهيونية، ولهذا الامر قصة طويلة ليس مجالها هذا المقال، ولكن ما يلفت النظر حقا اننا دائما نشغل بالنا بتوافه الامور وننسى الاصل، ومثل هذا الحوار يجوز ان يدور في بلد يُحترم فيه نظام التوظيف، والموظفون يقومون بواجبهم الوظيفي بكامل الساعات المطلوبة منهم.
اغرب الدراسات التي سمعنا عنها تقول ان الموظف الحكومي من غير الاطباء والمهندسين والفنيين ممن تستدعي طبيعة عملهم التواجد في مكان عملهم - لأن علاقاتهم مع من يراجعونهم - علاقات لا يمكن ان تتأخر، في حين ان باقي الموظفين الاداريين الذين يشكلون اكثر من 85% من الجسم الوظيفي الحكومي، فإن اغلبهم لا يداومون في احسن الاحوال اكثر من 25% من الوقت المقرر لهم بالعمل، والوظيفة الحكومية اصبحت مجالا للاسترزاق وليس لأداء المهمة او انجاز معاملة، فمصلحة الموظف تأتي قبل المصلحة العامة، وتكيف الوظائف مع الاسف الشديد حسب مصلحة الافراد وليس حسب مصلحة العمل.
مثل هذه النظرة للعمل تؤدي بطبيعة الحال الى التسيب والانفلات والتوظيف من اجل التوظيف وليس من اجل اداء العمل لدرجة ان هناك بعض المكاتب يشغلها اكثر من شخص ويتناوبون عليها لدرجة ان في بعض المكاتب يجلس الموظف على كرسيه مرة كل ثلاثة ايام، اي انها اقل ما يمكن ان نصفها بالبطالة المقنعة. والاهم من ذلك ان الموظف الملتزم بعمله هو الذي يحصل على العقوبات والخصومات ويُحرم من الترقيات في حين ان من لا يداوم هو الذي لا تقع عليه اي عقوبة لأن القاعدة في العمل هي عدم الدوام رغم ما نسمعه عن استعمال البصمة والساعات الإلكترونية في بعض الاماكن مع ان اغلبها اجهزة معطلة.
في مثل هذا الوضع أستغرب حقا ان تثار قضية تغيير يوم العطلة من الخميس الى السبت لأن الامر في نظري لا فرق فيه، فأغلب الموظفين كانوا يغيبون يوم الاربعاء الى الجمعة والآن ستكون عطلتهم من الاربعاء الى السبت اي ان ايام العمل تصبح ثلاثة ايام. فإذا علمنا ان الوظائف الادارية التي تمثل نسبة 85% من مجمل العاملين في الحكومة الذين يحضرون العمل بانتظام منهم لا يتجاوزون 25%، فإن عدد ايام العمل الحقيقية للموظف الحكومي غير الفني لا يتجاوز ثلاثة ارباع يوم في الاسبوع، وأقترح ان يمنح غير الملتزمين بالدوام اجازة، وبالتالي فإن الذين سينجزون العمل بصورة افضل كما نراه في فترة الصيف هم الربع وبجانب ذلك نخفف من ازمة المرور والتلوث الجوي بسبب ازدحام السيارات.
فعلا انها مهزلة ان تضيع المناقشات على جميع المستويات الاعلامية ومجلس الامة والدواوين في موقف اعتقد انه لا يستحق اي اهتمام، ويكفينا الضحك على انفسنا والادعاء بالإنجاز والقضاء على الفساد لأن الفساد قد عشعش في النفوس جميعا فأصبحنا في حاجة الى علاج النفوس اكثر من حاجتنا الى علاج ما تنجزه هذه النفوس.
انتبهوا الى هذا التغيير الذي ادخلناه في النظام الوظيفي والذي سيؤدي الى قلة الانجاز، والهروب من الوظائف سيزداد، والمطالبة بزيادة الرواتب سيزداد ايضا، لأن الكل مستمر في النهب وليس العطاء وأسفي على الكويت التي اصبحت مجالا للمزايدات الخاصة.