لا يخفى أن هناك خلافات عميقة بين الدول العربية على امتداد خارطة الوطن العربي ليست وليدة اليوم بل منذ عقود مضت ومنذ بداية الانقلابات العسكرية في الأقطار العربية في منتصف القرن الماضي مما تسبب في اختلاف سياسات القادة العرب على الرغم من انطوائهم تحت مظلة جامعة الدول العربية التي أنشئت لتجمع الدول العربية وتحقيق العمل العربي المشترك إعلاميا وأمنيا وسياسيا وعسكريا التي فشلت فشلا ذريعا منذ تأسيسها إلى وقتنا الحاضر في تحقيق ذلك.
ونظرا لاختلاف السياسات لقادة الدول العربية آنذاك دخلت العديد منها في مواجهات عسكرية ولتحقيق مزيد من الانقسام اتجهت الدول العربية لتأسيس كيانات سياسية تجمع عددا من الدول وانهارت تلك الكيانات وانهار معها كثير من الدول العربية، إلا منظومة مجلس التعاون وأيضا ومنذ فترة ليست بالقصيرة شهدت خلافات منها ما هو متعلق بتعارض بعض الاتفاقيات مع أنظمة بعض الدول الأعضاء كالاتفاقية الأمنية أو ما يتعلق بالعملة الموحدة أو ببعض السياسات الإعلامية والسياسية، أو التدخل في شؤون الدول الأخرى.
وعلى الرغم من هذه الخلافات، استمرت منظومة مجلس التعاون وتم تجاوز كل ذلك إيمانا من قادة الدول بتحقيق التضامن والتكامل بين دول أعضائه إلى أن عصفت به مؤخرا أزمة تهدد تضامن أعضائه وهذا ما يتضح للأسف من الإسفاف الإعلامي على بعض القنوات الفضائية والتحليلات غير الواقعية والنقد غير المبرر من بعض المحللين الذين كمن يسكب الزيت على النار وإثارة النعرات وما يبث في وسائل الاتصال الاجتماعي من مغردين يتناولون شخصيات ومسؤولين بل وقادة بالهمز واللمز والقذف في مشهد لم نشاهده من قبل ولم نألفه، وكذلك التصريحات غير الموزونة من بعض مسؤولي الدول وكانهم ليسوا أعضاء في منظومة سياسية لها أسسها ولجانها، ولكن للأسف لم يتم تفعيل عملها وخاصة لجنة النزاعات في الأمانة العامة لمجلس التعاون، وفي المقابل تجد الطرح الواقعي للأزمة الخليجية في التحليلات الأجنبية.
ولا شك أن استمرار هذا الانفلات الإعلامي غير المسبوق له عواقب وخيمة وإسقاطات سلبية على الشعب الخليجي بأكمله بصعب تجاوزه مستقبلا.
ولنا الحق أن نتساءل: لماذا وصل الحال بالواقع العربي الخليجي إلى ما وصل إليه الآن على الرغم من تشابه أنظمة الحكم والروابط الاجتماعية مع شعوبه؟! وبصورة اشمل لماذا وصل الواقع العربي بمجمله إلى أسوأ حالاته من اقتتال وتمزق وحروب في العديد من الدول العربية كما قال ذلك الأمين العام للجامعة العربية مؤخرا؟! لماذا هذا الاصطفاف بين بعض الدول العربية ضد بعضها البعض؟ للأسف هي السياسة التي لا تعرف صداقة أو عداوة دائمة بل مصالح آنية! هل هو عجز القادة في تحقيق التكامل على الرغم من رغبة الشعوب العربية التي تتلهف بالاتحاد والتعاون العربي؟ أم هو قصور في آلية واضحة للتعامل فيما بين الدول العربية؟! لماذا لم يتجاوز العرب خلافاتهم بأسلوب ديبلوماسي راق وبصراحة دون تأجيج إعلامي؟! لماذا لا نستفيد من تجارب الدول المتقدمة في الاتحاد والتعاون وحل الخلافات على الرغم من اختلاف اللغات والثقافات ؟! لماذا ننتظر الجولات لوزراء الخارجية للدول الكبرى في حل الخلاف الخليجي على الرغم من الوساطة الكويتية التي يقوم بها صاحب السمو؟ فهل نرى مزيدا من الشقاق والاقتتال والتراشق الإعلامي اللامسؤول فيما تبقى من الدول العربية؟ هذا ما لا نأمله.
[email protected]