كشفت الأزمة الصحية العالمية الناجمة عن وباء كورونا لكل دول العالم عن اهمية الاكتفاء الذاتي بالحد الأدنى من الغذاء والمستلزمات الصحية الأولية حفاظا على الأمن القومي للدولة، ولا شك ان ما حصل مع جائحة كورونا امر جلل لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلا بهذه الصورة التي شلّت العالم اجمع، وانكفأت الدول على نفسها، واصبح التبادل التجاري في ادنى مستوياته على الإطلاق! ولا يخفى أن نجاح أي إجراءات حكومية يتطلب عملية مراجعة وتقييم لها للوقوف على نقاط القوة والضعف فيها لكي تكون مستعدة لمواجهة اي ظرف طارئ مستقبلا، ومن هنا فإن الاهتمام بالأمن الغذائي والصحي يجب ان يكون على رأس أولويات التقييم وخاصة من الجهات المعنية.
ولعل أبسط الأمور في التقييم مراجعة السياسات الزراعية والصحية، فتقييم السياسة الزراعية والثروة الحيوانية في الدولة أمر مهم، وهل نجحت في تأمين الأمن الغذائي وما أوجه النقص التي يمكن تلافيها لتحقيق اقصى درجات الأمن الغذائي وكذلك فيما يتعلق بالسياسة الصحية بتوفير المستلزمات الصحية الأولية منها والمعدات الضرورية والتي كشفت الأزمة عن قصور واضح وكبير في توفيرها مما تسبب في ارتفاع أسعارها.
نعم كانت سياسة الدولة، وهو واضح تماما للعيان، أن الاستيراد أسهل وسيلة وقد تكون أرخص دون إدراك لأهمية المنتج المحلي وهذا ما كشفت عنه هذه الجائحة.
ولعلي أتذكر في هذه المناسبة شركتين بمساهمة حكومية، الأولى شركة للمنتجات الزراعية تم بيعها مع أصولها القوية ومنافذ بيعها المنتشرة دون اي اعتبار للمنتج المحلي وكذلك شركة صناعة الأدوية التي تمت تصفيتها وبيعها أيضا للقطاع الخاص! والآن يجب على الجهات الحكومية وزارة التجارة والهيئة العامة للزراعة والهيئة العامة للصناعة العمل مجتمعتين لتحقيق الأمن الزراعي والصحي وفق خطة طموحة تقوم بها وزارة التجارة والهيئة العامة للصناعة، تراعي المنتج المحلي وعدم اغراق السوق المحلي بالمنتجات المستوردة والعمل على فتح المجال أمام المستثمرين لإنشاء مصانع المستلزمات الصحية الأولية والمعدات الضرورية وتشجيع الصناعات الغذائية وعدم احتكارها بشركة او شركتين بحجة اكتفاء السوق المحلي، وهذا للاسف ما حصل بالهيئة العامة للصناعة ومن واقع تجربة شخصية.
ومن ناحية أخرى ان تقوم الهيئة العامة للزراعة والثروة الحيوانية بالإشراف على الإنتاج الزراعي وان تكون لديها أجندة زراعية لتنويع المحاصيل الزراعية في كل حيازة وخاصة الاستراتيجية منها والقابلة للتخزين لفترات طويلة والشيء ذاته ينطبق على الاهتمام بالثروة الحيوانية ومحاسبة المقصر وسحب الحيازات الزراعية والجواخير التي لا تمتثل لشروط الترخيص والتي للأسف أصبحت متنزهات وخارج نطاق الهدف الذي أنشئت من اجله في تأمين الأمن الغذائي، والعمل على إيجاد السبل الكفيلة بتسويق المنتج المحلي دون ان يتعرض المزارع لخسارة وهنا فإن مقترح بعض أعضاء مجلس الأمة بإنشاء شركة لتسويق المنتج الزراعي له اهمية في تأمين ديمومة الإنتاج الزراعي وإيصاله للمستهلك دون وسيط.
آمل ان نستوعب ما حدث وان يقوم التقييم على أسس علمية ومنهجية لتدارك اي قصور في اي حالة طارئة مستقبلا إن اردنا فعلا الاستفادة من أخطائنا وتحقيق الأمن الغذائي والصحي، مع الإيمان بأن القادم أفضل بإذن الله وما بعد كورونا لن يكون كقبله.
[email protected]