يوجد في حياتنا ما يسمى بـ«النموذج الفكري» وهو عبارة عن نظام من الخبرات والمعتقدات والثقافة التي تفرض ظلال وجودها على حياتنا والتي تشكل اللون الفكري والذهني في عقولنا، كما أنها الآلية النمطية التي ندرك بها العالم ونحكم عليه من خلالها، وتقوم هذه الآلية برسم الحدود الذهنية التي يسير داخلها الإنسان والتي تحكم تصرفاته في الحياة.
هناك وجهان فردي وجمعي لهذا النموذج، فكما أنه يشمل الخبرات والمعتقدات والثقافة الفردية، كذلك يطبق على الصعيد الجمعي من خلال التلقين والتربية، والذي يربي على نظم ومعتقدات دينية وفكرية واجتماعية منمطة لكل أفراد الجماعة.
إن النمذجة هي النظارة الشمسية متغيرة الألوان، والتي تلون ما تراه بألوانها ورؤاها الخاصة فترى الأمور على غير حقيقتها.
قام باحثون في جامعة هارفرد بتجربة مثيرة على هرتين عندما ولدتا فصلت إحداهما عن الأخرى وعن العالم بحيث وضعت الأولى في غرفة مطلية بخطوط عمودية متوازنة والثانية وضعت في غرفة مطلية بخطوط أفقية متوازنة. عاشت الهرتان فترة من الزمن في هاتين الغرفتين، وكانت النتيجة أن الهرة التي عاشت في غرفة الخطوط العمودية لم تستطع أن ترى أي شيء ذا شكل أفقي، وأن الهرة التي عاشت في غرفة الخطوط الأفقية لم تستطع أن ترى أي شيء ذا شكل عمودي، فكل هرة أصبحت لها رؤية منقوصة لعالمها، وهذا ما يحصل للإنسان عندما يتم تأطيره اجتماعيا بحيث تتم برمجة جميع أفراد المجتمع وفق منظومة مشتركة من المعتقدات والأعراف والرؤى، فهم يتشابهون لكنهم في الوقت عينه مختلفون جذريا، وهذا ما يؤدي إلى الصراعات بين المجتمعات والدول وأصحاب العقائد المتعددة.
إن أغلب البشر نمطيون يرون الأشياء في حدود صندوقهم الذهني والاجتماعي، ويرون أن حدود العقل هي حدود صندوقهم وحسب، ويرفضون بشدة أية أفكار أو مبادئ أو قيم خارجة، إذ يرونها خطرا.
الذين يستطيعون الخروج من الصندوق الذهني لمجتمعاتهم فيرون عالما مختلفا هم صناع الحياة المبدعون المتميزون الذين يرسمون حياة أفضل وأجمل للجميع.
نحن اليوم على أعتاب الانتخابات، ويجب أن تكون لدينا رؤية واقعية لما نواجهه لأنه حان الوقت للتغيير نحو الأفضل، نحو التطوير السوي الحقيقي، والأمر بأيديكم لا بيد غيركم.