«الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون».
عبارات تعالت في سماء الزمان العابر للحقب البشرية صدرت من إنسان واجه الموت بإيجابية، إذ إنه كان يرى الموت سعادة مطلقة، ويا لها من سعادة فحينما تنقلب حياة الإنسان لتكون عبودية للباطل والظلم والظالمين فإنها لا تصنع حياة طيبة بل تصنع قهرا وسوء منقلب واستعبادا للإنسان بلا حدود ويتحول الإنسان عندئذ إلى مسخ مشوه تستعبده شهوات متنوعة لا ولن يستطيع منها فكاكا.
الموت والحياة وجهان لعملة واحدة، إلا أن الموت يحتاج إلى فهم دقيق وتدبر عميق، إذ إن هناك موتا ينبغي أن ندخل فيه إذ إنه كما يروى أن من مات عن هواه فقد حيى بهداه وهذا أحد أنواع الموت الإرادي وهذا الموت باب من أبواب رفعة النفس عن دناءة التشبث بالدنيا وبشهواتها التي تفقد الإنسان معاني إنسانيته، فالموت الجامع موت عن الضلال بالهدى والموت، ويتنوع الموت إذ إنه يكون بترك الاسترسال في الشهوة البدنية التي تخلق حالة من التعلق واللهث وراء اللذات الحسبة مما يطفئ نور الباطن الذي يحتاج اليه الإنسان في كل زمان ومكان لاسيما في زماننا هذا الذي كثرت فيه أساليب اغتيال الروح النقية.
إن الموت حياة لكنها بشكل آخر وليست مأساة وهناك الكثير من الناس في زمننا الحاضر يعيش الموت هاجسا قبل أن يلقاه، ويكثر من التعلق بالحزن باعتباره رد الفعل المناسب للموت، ويدخل نفسه بل وغيره في مسلسل فجيعة لا ينتهي دون أن يدرك أنه لا داعي لذلك كله وأن الموت هو استمرار لوجود إنساني أكثر كمالا وصفاء سواء قبل تحققه أو بعد تحققه، وقد قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام «ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقلع منابت الغفلة ويقوي القلب بمواعد الله ويرق الطبع ويكسر إعلام الهوى ويطفئ نار الحرص ويحقر الدنيا»، لذلك كان الموت واعظا ومعلما ومرشدا وليس فجيعة وفقدا وعويلا.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».
لذلك موتوا قبل أن تموتوا بالوعي والنقاء والتصافي.