من الضروري أن نحمي عقولنا وأذهاننا من التشتت في التفكير والتنقل السريع بين الحشرات الطيارة للفيروس الذي أوقف الحياة في أرجاء العالم بأسره، حيث إن هذا كله قد جعل الوعي الروحي لبني الإنسان في مأزق كبير وأمام منعطف شديد الانحدار وهاوية سحيقة إلى خواء وظلال وظلام، إن المنجى والمخرج العملي في هذه المرحلة الذي يستطيع أن يحقق لنا السلام الباطني أو الداخلي يتشكل في أول مرحلة بتقدير ما أنت فيه من نعم وخيرات، فلا بد أن تقدر حياتك وتعيشها بشغف فأنت المخلوق الذي جعله الله مثالا لكل ما هو حوله، إذ رزقه العقل ومكنه من الاختيار في التفكير والسلوك والموقف، وهذه مزايا لا يحظى بها إلا الإنسان الذي ائتمنه الله الخالق العظيم سبحانه وتعالى على سائر المخلوقات، ولذلك فإن من أعظم العيوب لدى الإنسان ألا يكون مدركا لقيمة حياته، ومن هنا كان من الضروري لنا نحن البشر أن نصون أرواحنا وعقولنا من كل أنماط التسلط التي تريد أن تحولنا إلى آلات لا تعقل ولا تشعر ولا تبتكر ولا تدرك معنى ما حباها الخالق من قدرات.
إذا أردت أن تعيش بطيب نفس فلا بد أن تعيش الحياة بشغف ولا بد أن تتخذ من التركيز والاستهداف بشغف واقتناع وحب مسلكا دائما لحياتك وأن تثمن قيمة الوقت الحاضر الذي تتنفس من خلاله نسمات الحياة الآن، وعليك أن تستثمر كل لحظة تمر بك فإنها لا تعود أبدا والعمر مهما طال فإنه محدود.
إن التركيز يعني أن تلغي من قائمة الاهتمامات كل الأفكار السلبية لأنها تفسد الروح والعقل وذائقتك الباطنية وتؤدي بك إلى خمول الروح وكآبة النفس وتؤدي بك على المدى الطويل إلى أن تسجن نفسك في صندوق مليء بالعفن الفكري ولذلك كن شجاعا ولا تستسلم لأفكار من صنع واقع فاسد وسلبي ومخادع فإن واقعك هو ما تصنعه أنت من واقع فعلك الإيجابي المنظم لذلك، كن ما تريد ولا تكن ما يريده غيرك.
ويجب أن نعلم أن وسائل إعلامنا تقوم على تغذيتنا بصور ومفاهيم حول من وماذا يفترض أن نكون فترفع أمام ناظرينا نماذج خادعة عن الإنجازات والنجاحات وتحصرها في الشهرة والمال وسائر الشهوات وهذه النماذج تشبع الإنسان ولكنه إشباع مؤقت ومادي لا يرتقي بالذات بل يأخذنا إلى المزيد من خيبة الأمل والإزهاق الروحي.
يجب ألا تكون جهودنا الساعية إلى تحسين الذات مجرد محاولات يائسة لتلبية المثالية المتخيلة التي نظن أن الناس ينظرون إلينا بها، بل لا بد أن نبدأ من الوضوح والسكينة والصدق، ولنا حديث قادم معها إن شاء الله.