التسامح لا يتحقق إلا من خلال الاعتراف المتبادل بين الأفراد والجماعات، حيث إن تحقيق الذات من الناحية الثقافية والدينية وغيرها لا تتم من خلال الانغلاق والانكفاء على الهوية الذاتية بل تتم من خلال الاعتراف المتبادل والانفتاح ونبذ كل أشكال الاحتقار والإهانة والازدراء الاجتماعي، والحق أن الاعتراف بمستوى أعلى من التفاعل الاجتماعي هو بوابة الوجود للمجتمع المتسامح، وهو ذاك المجتمع القادر على فعل التسامح لكل فرد أو جماعة ويندمج التسامح ليكون أداة فعلية لتحقق هوية الأفراد وكرامتهم مع ضمان كل الحقوق الإنسانية لها بعيدا عن التهميش/ الاحتقار/ الإهانة/ الازدراء الاجتماعي.
إن التسامح تجسيد فعلي لمبدأ العدالة إنصافا، كما أن التسامح ممارسة للحقوق الأخلاقية والدينية وتجليات مفهوم العدالة إنصافا ينبغي أن تتجسد في المجتمعات الديموقراطية بحق وليس من خلال شكليات الصناديق فقط.
العدالة تتحقق في المجتمع الديموقراطي المتعدد بواسطة نظام منصف يتكون من التعاون الاجتماعي بين مواطنين يعتبرون أحرارا ومتساوين، وموضوع العدالة يتعلق بالبنية الأساسية للمجتمع وهو يتكون من:
1- القانون والقضاء المستقل.
2- البنية الاقتصادية.
3- مؤسسة المجتمع.
لا بد أن تكون هناك طريقة توجد نظام تعاون اجتماعي عن طريق تلاؤم المؤسسات السياسية والاجتماعية مجمل الحقوق والواجبات الأساسية وتنظيمها وتعيينها يجب أن يتناسق مع تقسيم المنافع الناتجة عن التعاون الاجتماعي عبر الزمن.
أما الدين فله موقع مهم في هذا البناء المركب، فإنه ضرورة لكي يرتقي الإنسان فردا ومجتمعا بروحه إلى طهارة السماء بعيدا عن الإثم والعدوان والآلام والشرور.
لقد عبر الإنسان في مختلف الحضارات عن الحاجة إلى الدين والآلة بشتى الطرق من خلال الصور والمنحوتات واللوحات والأشعار والترتيل والموسيقى والأنغام هادفا من ذلك كله إلى استكشاف القيم النبيلة الداعية إلى الخير الأسمى والمحق والألفة بين البشر.
لذلك فإن الدين هو الحاضن للرسائل الأخلاقية التي تحث على الخير وتدعو إلى مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال ونبذ التعصب والعنف والتطرف وتدعو إلى حسن التعايش.
ومن هنا فلقد كان التسامح هو جوهر الأديان والرسالات الأخلاقية، ولقد ترعرع التسامح في أحضان النصوص والممارسات الدينية المقدسة والبحث هنا يطول، إلا أننا نتكلم في هذه العجالة عن التسامح في ديننا المحمدي الحنيف.
جاء الإسلام خاتما للرسالات بمعنى انه مكمل للرسالات فلم يهتم بإلغاء ما مضى من حضارات وشرائع بل ثبتها وهذبها وأكملها.
ويؤكد التدبر في نصوص الإسلام الأساسية من القرآن والسنة لاسيما تلك النصوص محورية قيم التسامح وضرورة ضمان تحقيق التعايش السلمي.
وهذه القيم مثل العفو والصفح/ الإخاء/ التضامن والتراحم/ التعارف والتواصل/ المغفرة والتفاعل/ عدم الإكراه واحترام التعددية والحسن في الاختلاف/ نبذ العنف.
وهذا يؤكد أن أصول التسامح هي أسس ومبادئ أصيلة.