الإنسان يحيا وفقا للقيم والمبادئ التي يؤمن بها ويتفاعل مع ما حوله منسجما معهما وهذه القيم تأتي من قناعته وإيمانه بهذه الأفكار التي تحولت إلى مبادئ متعمقة في وجدان الإنسان.
وللدين وتشريعاته دور بارز في خلق هذه المفاهيم والقيم وإعادة تشكيل الكيان الواعي للإنسان طبقا لقاعدة أساسية عقدية تتخذ من الإيمان بالخالق والحياة الهادفة للمخلوق أساسا لها ولا ريب أن العقيدة هي الركن الذي يتجلى فيه الهدف والغاية من خلق الإنسان، حيث إنها تحدد الأفكار التي ينطلق بها نحو الاختيار في كافة تفاصيل حياته ونشاطاته، ومن المؤكد أن الأشياء تتشكل وفقا لهذه الأفكار التي تخلق المعنى ومن ثم يتجدد الموقف العملي ويتبلور الجانب العقلي ويتطور الإدراك الذهني والنشاط العلمي والعملي لدى الإنسان.
أقول ذلك بمناسبة الملتقى الثامن للوقف الجعفري الذي أقيم مؤخرا، ولقد امتاز في هذا العام باختياره موضوعا في غاية الأهمية، اذ انه موضوع يفرضه واقع الحياة اليومية بإشكالياته الراهنة، ولذلك قام الملتقى هذا العام بالبحث حول المعالجات التشريعية للعلاقة بين القانون والوقف، وتعتبر هذه العلاقة علاقة جدلية محضة تثير العديد من الاسئلة العلمية حول شكل هذه العلاقة ومحدداتها وآثارها والاشكاليات الناجمة عن تطبيق الاحكام القانونية بشكل يضمن عدم خروجها عن الاحكام الشرعية الخاصة بالوقف عامة والجعفري خاصة، وهي كثيرة ومتشعبة وذلك في ظل القوانين المعمول بها في البلاد وبشكل يضمن أيضا إزالة أي تعارض في هذا المجال.
إننا نأمل في أن يقوم وزير الاوقاف بتطوير العمل في الأمانة العامة للأوقاف وإتاحة الفرصة بشكل أكبر لتطوير إدارة الوقف الجعفري بإخراجها من إطارها الاداري الضيق، وان ينشأ قطاع كبير مستقل خاص بالاوقاف الجعفرية، حيث إن الثوب الاداري الجديد (القطاع) سيتيح لها مجالا أكثر حرية وفعالية وسيمكنها من الإسهام بشكل اكبر في الخدمات الوقفية المقدمة الى المجتمع الكويتي فالأوقاف بقسميهما السني والجعفري ليست إدارات حكومية وحسب، بل هي مصانع تنتج الأمن الاجتماعي وترسخ التعددية والوسطية في المجتمع الكويتي والتنوع الحضاري والشراكة تحت مظلة الكويت، ويجب أن نؤمن بأن مثل هذا التعاون البنّاء سيتيح لنا الإسهام بشكل أكبر في تعزيز وترسيخ المودة الوطنية والوحدة الحقيقية بين المواطنين، بل وبين المسلمين وغيرهم في بلاد العالم وهذا ما نحتاجه اليوم.