هناك صلة وثيقة جدا بين علم الفقه باعتباره واحدا من أهم العلوم الإسلامية التي تلامس الحاجة الإنسانية التي ترتبط بمنظومة المصالح والمفاسد والحاجيات ومراتبها في الحياة اليومية هذا من جهة، وبين المجتمعات التي تستفيد من نتائجه في منظومتها القانونية والتشريعية، لذلك فإننا نرى أن الفقه احدى الأدوات المهمة التي تعطي للمجتمع الإنساني شكلا متميزا، وكلما كان الفقه المعمول به في المجتمع فقها منفتحا على الآخر وذا أصول معرفيه قوية ومرنة ومتوازنة فان المجتمع يكون أقرب من القيم الإيجابية والتي تعبر عن حالة الوسطية والاعتدال الحقيقي، وبالتالي فإنه يصبح أيضا أبعد عن الزيف والوهم الذي ينشره أهل الفساد السياسي من أجل خداع الناس واستحمار الجمهور واستعمار الجغرافيا واستعباد الشعوب.
علم الفقه ليس علما جامدا وان تعامل مع البعض على هذا النحو لأنه منهج عملي يعبر عن واقع التجربة اليومية/ غير اليومية التي يتشكل من خلالها المظهر والمحتوى الحضاري للمجتمع الإنساني، ولذلك فإنه يعتبر مؤشرا على نضج الثقافة العامة لأي مجتمع ورشدها المعرفي.
لقد جرى على امتداد قرون طويلة التعامل مع الفقه على أساس أنه علم ديني فقط بمعنى أنه علم مأخوذ من النصوص فحسب وأنه يعتمد على اجتهادات العلماء الأولين التي يعطيها الأولوية في الحجية والترجيح على غيرها لكن مثل هذا التعامل لم يعد مقبولا حيث إن للفقه غايات كبرى مطلوب إنجازها على أرض الواقع وهذه الغايات تفرض علينا أن نعمل على تجديد آليات فهم النص الديني، ومن ثم تطوير المنظومة التشريعية وتأصيلها وفقا لمنهجيات علمية راسخة، ولذلك نجد الفقه يتناغم مع سائر العلوم الإنسانية ليعالج كل القضايا التي تمس الحياة المعاصرة لاسيما في ظل القفزة التكنولوجية المتجددة ولكى يصبح الفقه احدى ركائز التطور في عالمنا اليوم فلابد من تأسيس علوم دينية متطورة.
لابد أن يرتبط الفقه بمفاهيم إنسانية وأولها مفهوم الإنجاز الذي يقتضي أن نضع النموذج الأول والذي يقتضي تحديد الإشكاليات الفقهية الراهنة وتنظيم التعايش معها ووضع التصور العملي الذي يحقق إيجاد أفضل السبل والمعالجات والحلول لهذه الإشكاليات ويرفع نتائجها السلبية عن المجتمعات ويخلق حالة علمية أنموذجية وعملية بعيدا عن التنظير الذهني الفارغ عن المحتوى العلمي مما يؤسس الواقع الجديد.
هذه رسالة الفقه والفقيه ولقد كان منتدى قضايا الوقف التاسع النموذج الرائد لذلك كله.