العلم في حياة علي بن أبي طالب قيمة أساسية لعمران البلاد وحياة الإنسان، لقد كان الإمام محبا للعلم مدركا لأثره العظيم في حياة الفرد والمجتمع، فلقد أخذ يوما بيد كميل بن زياد متوجها به نحو المقابر حيث الصمت يغلف القلوب والهدوء يسري إلى الأرواح فيطهرها من تلون الحياة اليومية وتلوثها فتنفس الصعداء ونطق بالحكمة البالغة فقال «إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها» لأن القلب كالآنية تودع فيها الأشياء وإلا كان فارغا من الجوهر والحكمة يعيش صاحبه بلا هدف في الحياة وبلا غاية ولذلك فلا يوجد أفضل من العلم تجعله في قلبك لينير حياتك بنور اليقين.
إن الناس أصناف فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح وإذا سألت عليا عن سبب ذلك فانه سيخبرك بأنهم «لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق» فالعلم هو أساس الإيمان وقاعدة البناء المعرفي وهو النور الذي يضيء الحياة الكريمة التي تجعل الإنسان صانعا للحضارة.
لقد أعلى الإمام من شأن العلم فقال «إن العلم حياة القلوب ونور الأبصار، وبالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف الله، والعلم إمام العقل والعقل تابعه».
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: علي عيبة علمي وما ذاك إلا لان علم علي قد نبع من يقينه وإخلاصه ومن وعيه التام، ولذلك ارتقى علي بن أبى طالب فأصبح باب علم رسول الله بل انه عندما نزلت هذه الآية (وتعيها أذن واعية) قال النبي صلى الله عليه وسلم: سألت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي، فما نسي شيئا بعد هذا الدعاء المحمدي.
إن السر الأعظم هو في حب علي النقي المتوهج بالصدق لله ولرسوله، ما جعله يخوض غمار الصعاب والمستحيلات تصديقا لله ورسوله وإعلاء لقيم الحق والعدل والقسط.
مع هذا فلقد كانت أحب الخصال إليه هي أن يكون عبدا لله ورسوله فلقد قال: «ما أنا إلا عبد من عبيد محمد» ولقد مدحه قوم في وجهه فقال: «اللهم إنك أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون واغفر لنا ما لا يعلمون»، وهكذا هو من أخلص نفسه وحياته كلها لله فأخلصه الله لنفسه.