أيما قلب أو عقل يتجه بوعي ويقظة إلى الكون ونواميسه وظواهره الناطقة بها لابد أن يستشعر تأثيرا عظيما وأن يهتز من أعماقه بالشعور القاهر بوجود صاحب الخلق والأمر الذي بيده كل شيء وهذه هي السلم الأول لدفع هذا القلب إلى الاستجابة إلى نداء الله والكون إلى من يستسلم له هذا الوجود كله ولا يتجاوزه أبدا.
ان التأمل في سبل معرفة الله رائعة مبهرة، ولا ريب أن نظرة مبصرة إلى السماء المشعة بالضياء في ليلة حالكة وقد انتثرت فيها الكواكب والنجوم بنورها المتوهج ثم يبدو كأنها تختفي ريثما تتنقل العين لتلبي لرؤية نجم بعيد وكذلك نظرة مثلها في الليلة القمرية والبدر حالم متشعشع والكون في حوله مهموم كأنما يمسك أنفاسه، أن تلك النظرة لكفيلة بإدراك حقيقة الجمال الكوني وعمق هذا الجمال في فعل صانعه سبحانه الذي زينها للناظرين.
لقد أقام الخالق المبدع الثوابت على أساس ترسيخ المتغيرات لان الجمال يكمن في التنسيق والابتكار، فالثبات يكون في عين التغير والتغير في عين الثبات، ولذلك فإن كل شيء بميزان، والخلق قام على أساس الميزان، والوزن يكون بالقسط.
لذلك لم يكن الوجود متروكا لقوانين آلية صماء وعمياء، لذلك يجب أن نحذر نحن البشر من خداعنا لأنفسنا لأننا لا نملك شيئا، فالله هو المالك الحقيقي الأوحد، وهذه الحقيقة الكبرى لابد أن ترشدنا إلى سبيل الله والاعتصام به والتعرف على طرقه لبناء الإنسان، فإنه في كل لحظة يريد منا أن نكون اليد العليا لأنها هي التي يحبها الله، لذلك لا تذهب نفسك حسرات على فائت أو ضائع ولا تلهث وراء شهوات النفس، وقل الله ثم استقم.
إن القيمة الأساسية في النفس البشرية أن تكتسب السكون والطمأنينة عند استقبال الأحداث خيرها وشرها، فلا تجزع ولا تذهب النفس معها حسرات عند الضراء، ولا تفرح الفرح الذي تستطار به وتفقد الاتزان عند السراء لأن اتساع أفق النظر والتعامل مع الوجود الكبير ورؤية الأحداث في مواضعها المقدرة في علم الله الثابتة في تصميم هذا الكون، كل ذلك يجعل النفس أفسح وأكبر وأكثر ثباتا ورزانة في مواجهة الأحداث العابرة حين تتكشف للوجود الإنساني وهي مارة به في حركة الوجود الكوني.
إن الإنسان يجزع وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود، لكن يجب أن يعلم أن العالم الأكبر فيه وانه ليس جرما صغيرا أبدا.