سلامة موسى (1887-1958) مفكر من طلائع النهضة المصرية يراه كثيرون رائد النهج الفكري النقدي الصارم، وهو شخصية تتضارب الآراء في حقه، لكن ما يميزه هو آراؤه الحرة المليئة بالمشاكسات للواقع الذي عاشه والذي سعى حثيثا لتغييره نحو ما يراه الأفضل.
يقول في كتاب هؤلاء علموني (ان الأمم العربية جميعها فهمت النهضة على أنها التحرر من الأجنبي المستعمر ومن الوطني المستبد فطالبت بالاستقلال والدستور واعتقدت ان كل شيء من أمانيها قد تم، ولكن الأمم الأوروبية فهمت النهضة أو النهضات المتوالية فيها على انها قبل كل شيء تحرير الضمير البشري ففصلت الدين عن الدولة وكافحت التقاليد وتمردت على سلطة البابا وألغتها واعتنقت العلوم ومارست الفنون التي تعمل للتنوير الذهني والسعادة البشرية، وهذا ما لم تفكر فيه الأمم العربية الى الآن مع انها تحمل من أعباء الظلام ما يرهق الضمائر ويسود العقول).
وهذا تشخيص حقيقي للأمور لأننا قد خلطنا الحابل بالنابل وأسأنا الى مفاهيم الدين النقية وأخطأنا في المسير نحو الحياة الفاعلة فاصبحنا عالة على العالم إلا القليل منا، ثم يستمر سلامة موسى في القول: (والناهضون في أوروبا هم علماؤها وأدباؤها وليسوا ساستها وهم جاليليو الذي خالف الكنيسة وأثبت أن الأرض تدور حول الشمس، ولوثر الذي انفصل عن البابا وترجم الكتاب المقدس، ودافنشي الذي قال إن الجبال كانت البحار تغمرها، وداروين الذي ارجع الإنسان والحيوان الى أصل واحد، ورينان الذي قال ببشرية المسيح، وأبسن الذي رفع المرأة من الأنثوية الى الإنسانية، هؤلاء هم الناهضون الذين غيروا أوروبا، وبرناردشو واحد منهم فإنه بأسلوب عيشه ومؤلفاته المسرحية دعانا الى حياة الطهر ومكافحة النفاق الاجتماعي وكانت مهمته تحرير الضمير البشري من الخرافات والتقاليد والجبن الفكري وبعث الآمال في مستقبل البشر على هذه الأرض وصحيح أنه كافح قوات الظلام التي يمثلها الاستعمار والاستبداد ولكنه كافح أيضا وبقوة أكبر قوات الظلام التي تمثلها التقاليد.
ثم يقول: (ولو فهمنا دلالة النهضات الأوروبية وعملنا لتحرير ضميرنا لكان لنا إلى جنب الحرية السياسية حرية أخرى أكفل للسعادة وأعمل لتكوين الشخصية ولكان لنا منها موقف آخر حيال المشكلات الاقتصادية والأخلاقية والثقافية، وفي هذه الحال ما كان لمستبد أن يحبس عقولنا بقوانين تحد من الحرية أو يسلط علينا بوليس الأفكار كي يعين لنا ما يجوز وما لا يجوز وما لا يجوز أن نفكر فيه ونكتب عنه).
أجل إننا ما زلنا بعيدين عن دلالة النهضات في العالم المتقدم، لكننا مازلنا نمتلك الإرادة التي تحول مسارنا نحو الأفضل/ الأسمى.