كلمة «يكسر الخاطر» وصف أو تعبير كويتي يطلق عند الإحساس بالشفقة على من يحزننا وضعه او ظروفه سواء أكان انسانا ام حيوانا ام حتى نباتا، وكل ما ورد يسهل علاجه، اما اذا كان ما يكسر الخاطر هو الوطن، فكيف تكون طريقة معالجته؟ لماذا لا نسأل أنفسنا أين نحن من هذا الوطن ونحن سبب ما جعله يكسر الخاطر؟ أليس من رجال ومسؤولين ينتشلوننا من كسر الخواطر التي تتنامى مشاكلها حتى غدت ظاهرة اقترن بها السكوت والبرود والتجاهل؟
أين المعنيون بالتخطيط والمراقبة والتشريع والتنفيذ؟ اين مبدأ الثواب والحساب والعقاب؟ ألا ينكسر خاطرهم عندما تتراءى لهم هذه الصور المحزنة لوطن يستحق العمل من أجله، أما آن لهذا الوطن ان ننصفه بدل نهبه وإهماله، أما آن لمن يتشدق بمحبته ان يترجم هذا الحب لعمل يجبر الخاطر بدل كسره؟ لا أعتقد امام واقعنا السلبي ان يسأل أحد نفسه لماذا وطننا يكسر الخاطر؟ لأن الكل يعرف تماما ويرى سواحلنا وصحراءنا وبحرنا وحدائقنا تنطق بمآسيها بين الإهمال والقذارة التي هي من صنعنا.
أما عن الإدارة وموظفي الدولة فحدث ولا حرج فيكفي والكل يعلم ان انتاجهم أقل من استحقاقهم لنصف رواتبهم، والتزامهم بالحضور لا يتعدى نصف عددهم، وإن التفت الى مشاريعنا فهي معطلة وإن بدأت فهي لا تنتهي وإن انتهت ففيها من العيوب ما يكفيها، وإن رأيت الشوارع فهي بلا ضبط ولا ربط والفوضى عارمة والاستهتار وعدم المبالاة ليس لها حد، وإن تحدثت فما من مستمع، وإن كتبت فلا يوجد من يقرأ وإن قرأ لا يفهم ما قرأه أو ينساه بعد ان ينتهي منه، وإن صرخت تكون صرختك في واد يتعمد الكبير ألا يلتفت لها ولا حول ولا قوة للصغير إن سمعها، لذا نقول للمواطنين والوافدين وبالذات أعضاء السلطتين: «اتقوا الله في هذا الوطن».
والتذمر والاستياء الشعبي غير المسبوق والواضح على مستوى البلد ليس سببه التأخير في المشاريع والتنمية كما يشاع، حيث من السهل إيجاد الحلول لها من طرف الحكومة التي لن يكون لها العذر في كل مسؤولياتها فيما لو انفردت بالسلطة، بل العلة الحقيقية والمشكلة الكبرى تكمن في سوء ممارسة بعض النواب، وباعترافهم، وظهرت الآثار السلبية لذلك على الوطن والمواطن بفوضى الوساطة والتأثير على القياديين بالتهديد والابتزاز والمزايدات والبحث عن المكاسب الشخصية التي تتأتى مع المنصب وتغدو حلاوة طعمها إدمانا يدفع النائب للترشح مرة اخرى للفوز بالعضوية ليضمن استمرارية ذلك المذاق الذي أدمنه وتمكن منه.
لم يكن نواب المجلس خلال تاريخه الطويل بهذه الصورة ولا بتلك الطباع ولم يكن الشعب الكويت يحمل صفات الحسد والحقد والضغينة ولم يكن خارج حدود الأدب والأخلاق، ماذا دهاكم يا أبناء وطني؟ وماذا حل بكم أيها الكويتيون الغيارى على بلدكم كما تدعون؟ كلما زادكم الله خيرا زدتم جنوحا وجنونا، أين موروثاتكم الكريمة ومبادئكم الراسخة؟ اين انتم من أخلاق وقيم وشيم آبائكم وأجدادكم الذين كانوا يتعففون ويحمدون المولى رغم فقرهم؟ وأنتم ورغم بحبوحة العيش الكريم تشتكون الحال وقلة المال! أستحلفكم بالله ان تستيقظوا مما انتم فيه، وأن تتقوا الله في بلد الخير، وأن تصحوا من غفلتكم التي طالت، وتذكروا سنوات الشقاء والجوع التي عاشها الجيل الماضي وعاشها هذا الجيل ايام الاحتلال، فحاضرنا جزء من ماضينا، وماضينا جزء من حاضرنا والذي لم يستحضره في ثنايا حياته ويأخذ منه العبر، يعود إليه صاغرا، احفظوا النعم وتأسوا بأسلافنا واشكروا المعطي الوهاب، واعلموا ان المال يذهب ويبقى العمل الصالح لكل واحد منا تجاه وطنه قبل نفسه وينتظرنا حساب الديان يوم لا ينفع مال ولا بنون، فالغفلة يعقبها الندم، واذا ما حل الندم ضاقت النفوس وسارت نحو الهاوية.
والأمر الآخر الذي يردده رواد الدواوين والذي لا يقل أهمية عما قبله هو الوضع الذي وصلنا اليه والذي يشبه الاسمنت بعد زيادة الماء عليه ليصبح رخوا غير متماسك، وهذا هو حال النظام والحكومة الذي لا يسر الصديق ولا يفرح الجار، فالكل يحذفها بالطوب المتمثل بالشتائم والوقاحة والتطاول والهجوم الجماعي والمنفرد على الأسرة وعلى المسؤولين بالدولة بالصحف والإنترنت والقنوات الفضائية المحلية وسببه التهاون في اتخاذ التدابير اللازمة تجاه من لم يثمن دور وعمل هؤلاء الذين اتخذوا من التسامح وحسن الخلق والتعامل ديدنا لهم، فما ان يتم الحديث وطلب اظهار العين الحمراء وحث المسؤولين من القيادة الكويتية على الحزم والحسم والرد على اي هجوم حتى تسارع القلة القليلة من الكتاب المصابين بڤيروس الحساسية والذين يرغبون في زيادة الماء على الاسمنت لتصبح الحكومة هشة لا تقوى على الصد، فتراهم يُسخّرون أقلامهم الحاقدة للرد على هذا الموضوع بسرعة تتجاوز صاروخ السكود عند انطلاقه، وللأسف هذا الردح يتأثر به ابناء الاسرة ومسؤولو الدولة فتراهم يتراجعون تفاديا وتحاشيا وتخوفا من الاصطدام، وبهذا التراجع وذلك التسامح والمرونة يسوّد هؤلاء وبكل جرأة ووقاحة على من يجب احترامهم وتقديرهم لمكانتهم ومركزهم الوظيفي والاجتماعي، لا نتحدث عن سادة وعبيد ولا عن خادم ومخدوم لا سمح الله، بل عن الاسرة الكويتية الواحدة والعلاقة المبنية على الطاعة والولاء والاحترام بين الحاكم والمحكوم ولا نريد من البعض تأويل وترجمة ما يحلو له، فمنذ تأسست الكويت وصغيرها يحترم كبيرها وكبيرها يعطف على صغيرها والأخلاق ديدنهم، لا فرق بين سني وشيعي، ولا بين حضري وبدوي، فالكل يجمعهم حب وطنهم الذي يعيشون في خيراته، ويتضح مما فات ان الحلم والحكمة لا ينفعان مع هذا النفر القليل من الكتاب والنواب، والذي لا يملك الا قلمه ولسانه، بينما الطرف الآخر بيده السلطة والقانون والنفوذ والأغلبية، والناس مع القوي وليست مع الضعيف، فكونوا أقوياء ولا تسمحوا بهدر رصيد الدولة وهيبتكم بصمتكم الرهيب، واذا كانت ما تسمى بـ «الأرضة» وهي النمل صغير الحجم تأكل أثاث منزلك دون ان تدري، فبعض النواب والكتّاب كالأرضة الكبيرة تحاول اكل وطنك ونظامه وأنت ترى، وأختم المقال باسم الفيلم العربي «انتبهوا أيها السادة».
رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا