أمينة العلي
أعرف أسرة كانت صديقة لعائلتنا وكانت تعيش في نفس منطقتنا وكان لها في ذلك الحين ابن في العاشرة من عمره تقريبا، نزحت هذه الأسرة عائدة إلى بلادها وكبر الابن وتفوق ونبغ حتى أصبح طبيبا مشهورا، وكانت أجمل الفتيات يجرين وراءه ويخطبن وده.. ولكنني فوجئت منذ فترة بأن هذا الابن الطبيب المشهور تزوج بفتاة عاجزة أصيبت في طفولتها بشلل الأطفال وترك المرض فيها عاهة دائمة ولم تكن بالاضافة الى ذلك جميلة ولكنها كانت غاية في الذكاء ودماثة الخلق وطيب المعشر.
فأحبها لهذه الصفات المعنوية الرائعة وتزوجها رغم عاهتها ولم يشعر بأدنى غضاضة عندما زف اليها وهو يدفع عروسه أمامه على مقعد بعجلات ولقد أسعدني الحظ برؤية الزوجين في هذا الصيف في لندن مع طفليهما الصغيرين.
وكان واضحا انها أسرة غاية في السعادة والتوفيق والانسجام.. فهل يمكن ان يحدث مثل ذلك أو نصفه أو ربعه في مجتمعنا وبين شباب ديرتنا، الذين يعطون للجسد الأهمية الأولى في الزواج.
كلا بالطبع، لأن بعض الرجال والشباب عندنا أو معظمهم يتزوجون الجسد فقط ولا يهمهم مطلقا العقل أو الخلق أو الروح، ولذلك لا تلبث جذوة اللهفة ان تنطفئ بعد وقت ولا يبقى أمام الزوج سوى حطام إنساني قوامه الجهل والتفاهة والعجز عن مواجهة أحداث الحياة..
إننا في أشد الحاجة إلى تلقين أولادنا وبناتنا علم الزواج بأصوله الحضارية المتقدمة وأعتقد أننا سنستفيد كثيرا لو أدخل هذا العلم ضمن برامج المدارس والجامعات حتى تفهم الأجيال الصاعدة ما غابت معرفته عن الأجيال السابقة من حقيقة القصد بالارتباط أو الزواج والأسس الصحيحة لإقامة الأسرة.
الكثير من شبابنا المتعلم يتوهم أن القوامة هي السيادة والسيطرة وانها لا تتوافر الا اذا كان الزوج ذكيا متعلما مفكرا والزوجة جاهلة عاجزة، المهم أن تكون جميلة، وأشد ما يخافون منه أن تكون المرأة ذكية ومثقفة لأن تعليم المرأة هو سلاحها الماضي في تجريدهم من مكانتهم وكرامتهم في بيوتهم، وهذا خطأ عظيم، فمكانة الرجل في بيته وكرامته بين أفراد أسرته لا صلة لهما بهذا المنطق المعوج، بل هما الثمرة الطيبة التي يجنيها بقوة شخصيته وطيبة نفسه واحترامه لمن حوله وأدائه لمسؤولياته المختلفة.. ان الرجولة والأخلاق والمبادئ هي التي تحدد مكانة الرجل ليس في بيته فقط، بل في أي محيط يتحرك فيه.. والزواج لا يكون زواجا بالمعنى الاجتماعي الصحيح ما لم يقم أساسا على التوافق الذهني والتوازن العقلي والتجاوب العاطفي بين الرجل والمرأة.. لأن الحياة الزوجية ليست مجرد وسيلة لإشباع رغبات الجسد إنما هي عملية اندماج نفسي وروحي وأدبي ومعنوي.. يقصد بها إقامة شركة اجتماعية تدوم طوال عمر صاحبيها.. وتبقى ناجحة جميلة حتى بعد أن يضعف الجسد عن تحقيق رغبات الجنس، واذا كانت الحياة الزوجية عندنا غير ناجحة في نسبة كبيرة منها فذلك لأنها تقوم من البداية على أسس واهية لا تلبث ان تنهار لأبسط الهزات.. فنحن نعطي الجسد الأهمية الأولى والأخيرة وبذلك نبتذل فلسفة الزواج وننحط بها إلى درجة الحيوانية الخالصة.. اما أصحاب الفكر المتحضر فينظرون الى الموضوع من زواياه الأخرى الأكرم والأقيم لذلك تنجح تجربة الزواج معهم وتعود بالخير لا عليهم وحدهم بل على مجتمعهم الكبير أيضا.
إضاءة
إن أعظم ما في الإنسان أن يكون صاحب مبادئ ومثل عليا لأن كل ما في الحياة زائل ولا تبقى إلا الأعمال العظيمة والسيرة العطرة والذي يتمسك بالقيم والدين والأخلاق هو الذي يكسب حياته إن لذة الحياة في العمل والكفاح وبناء المستقبل بعرق الجبين.
أعتقد ان رقة القلب من مقومات الجمال النفسي.. فقد رأيت حسناء تمر أمام سائل فأثار شفقتها فتصدقت عليه بعيدا عن الأعين وكان ان ازداد جمالها في عيني وأيقنت أن الرحمة منبع الجمال وان الجمال منبع الرحمة.