الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بقصر الفتوى على المختصين من أعضاء هيئة كبار العلماء والمفتي العام، كان قرارا صائبا ومستحقا، أرجع الأمور إلى نصابها، وأنهى فوضى الفتاوى، وحفظ للدين مكانته وللعلماء هيبتهم، فالعامة كما هو معلوم لا يفرقون بين العالم والواعظ، وبين الفقيه والقارئ، تغرهم الكلمات المنمقة، وتبهرهم المظاهر، فتختلط عليهم الحقائق.
قرار جريء ومشكور، وفي توقيته المناسب، في ظل اتساع عالم الفضائيات والصحف وسائر وسائل الاتصالات ونقل المعلومة، قرار نتمنى أن يحتذيه سائر ولاة الأمر في بلدان المسلمين لتضييق الخناق على كل من يريد النيل من هذا الدين العظيم، عبر إشهار الشاذ من الفتاوى وزلات العلماء.
وأول من سيرفض فكرة تطبيق مثل هذا القرار الحكيم في الكويت ليس أهل الدين كما قد يتوهم البعض، بل الدين الإسلامي يأمر بذلك، ويحرص على التخصص، ويجرم التقول على الله بغير علم، وإنما سيرفضه وبلا شك «بنو ليبرال» لأن فوضى الفتاوى تخدمهم، سيرفضونها واقعا عمليا وإن ادعوا غير ذلك بلسانهم، ويكفينا أن نعود قليلا إلى الوراء لنرى تصريحاتهم ومجاهرتهم برفض فتاوى إدارة الإفتاء المختصة في وزارة الأوقاف، والجهة المخولة رسميا بالتصدي للفتاوى، والتي تضم علماء وأساتذة معروفين بعلمهم وفقههم عند أهل الكويت، انظروا إلى رفضهم لفتواهم في الضوابط الشرعية للناخبة والمرشحة، وغيرها، في حين فرح القوم بشذوذ الفتاوى التي وافقت هواهم فأباحت الاختلاط والغناء، وأشهروها بقالب «آراء جريئة».
أخيرا: البعض قد يظن أن قرار حصر الفتوى بالمختصين قد يتعارض مع رفض الإمام مالك لفكرة الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور في فرض مذهبه وموطئه على المسلمين، والذي قد يضيق من سعة الدين، لأن المقصود بالقرار الملكي هو حصر الإفتاء في الشأن العام، الذي قد تترتب عليه آثار كبيرة كالمسائل المستحدثة الجديدة التي يثير مجرد الحديث فيها بلبلة كبيرة وارتباكا، مثل حكم السعي في المسعى الجديد بمكة المكرمة، فالمصلحة تقتضي ألا تخرج الفتاوى في هذا الشأن إلا بعد اجتماعات عديدة لعلماء ربانيين مشهود لهم بالعلم والتقوى والحكمة وفهم مقاصد الشريعة.
[email protected]