قرأت وسمعت أحاديث نبوية وقدسية عديدة في أهمية التوحيد وخطر الشرك أثرت فيّ كثيرا، لكن ليس بمقدار هذا الحديث الذي رواه مسلم، «يقول الله تبارك وتعالى لأهون أهل النار عذابا: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا بها، فيقول نعم، فيقول قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم ألا تشرك ولا أدخلك النار فأبيت إلا الشرك».
الكثير من أمة محمد صلى الله عليه وسلم غافل عن أهمية جانب التوحيد، فالبعض يرى أن القضية الأهم التي يمكن أن تحل مشاكلنا في الدنيا، وتنجينا في الأخرة هي قضية الحاكمية، وبمعنى آخر أن نسعى في إيصال حاكم مسلم عادل يحكم بشرع الله، بالعربي يعني حاكم كامل الأوصاف، وهذا ما لم يحصل بعد الخلفاء الراشدين باستثناء الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز، ولن يحصل إلا بظهور المهدي في آخر الزمان إلا أن يشاء ربي شيئا، والتاريخ خير شاهد، وآخرون يرون أن قضية الأخلاق هي سبيل خلاصنا وانتهاء حروبنا الدموية ونشر السلام على الأرض ولو عبدنا الحجر أو المدر، وتناسوا أن كرم حاتم الطائي، وسخاء عبدالله بن جدعان، وشهامة المطعم بن عدي لم تشفع لهم عند الله عز وجل، وكما قال صلى الله عليه وسلم عن ابن جدعان «إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» رواه مسلم.
مشكلة هؤلاء في الحقيقة أنهم لم يقرأوا سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم كاملة كما يجب، حتى يروا كيف أنه قضى أكثر من نصف فترة نبوته في مكة يدعو إلى التوحيد ويرسخ مفهومه، ولم يقم الدولة الإسلامية حتى أرسى في قلوب صحابته العقيدة الصحيحة، ولم يحذر من سوء الأدب مع البشر بقدر تحذيره من سوء الأدب مع الله بصرف شيء من حقوقه التي لا تنبغي لغيره، ولا يفهم من كلامي هذا وتقريري حقيقة غفلة المسلمين عن أهمية التوحيد الطعن بهم واتهامهم بالشرك والكفر كما يحلو للبعض فهم ذلك، وتحميل كلامي ما لا يحتمل كعادتهم، فإن المربي إذا قال ان هناك غفلة في جانب الأخلاق فلا يدل ذلك على اتهامه الاخرين بسوء الأخلاق، ويكفي في ذلك أن الله أمر المؤمنين بالإيمان مع أنه وصفهم في مطلع الآية بالإيمان نفسه، وذلك بقوله كما في سورة النساء (يا آيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله)، فلا يقال أن الله يأمر من لا يؤمن بالإيمان، بل يقال ان الله أمرهم بالإيمان وهم مؤمنون أصالة للتأكيد على أهمية الإيمان لا أكثر.
[email protected]