ضاري المطيري
بدون نظام تفسد هذه الدنيا، ولا تصلح أمور الناس الا بالنظام، فالكون قد بني على النظام (وكل في فلك يسبحون)، بالقوانين والقيود تحفظ الحقوق من المعتدين ويوقفون عند حدهم، فالناجح هو الذي روّض نفسه على المجاهدة والتجلد في طلب العلم والالتزام بالعمل المثمر، بينما الخانع الخامل أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني فهو في أوهام، فالحليم هو الذي قيد نفسه بالصبر ورباطة الجأش، فالجنة التي أنزل منها آدم أبونا وأبوالبشر كانت فيها قيود وحدود في المطالب، فبالرغم من ذلك النعيم الذي كان فيه، فرض الله عليه قيدا وشرطا وحدا لا ينبغي تجاوزه (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)، لو كان بنو البشر بدون قيود لصاروا كالبهائم، بل أقل لأن البهائم لها حدود نوعا ما، كما هو معلوم من غيرة الأسد من مشاركة السباع الأخرى له في فريسته، وأنفة الصقر الحر من أكل الجيفة والميتة.
لكن في بعض الأحيان نجد البعض يصرخ ويقول لا للقيود ولا للحدود، زعما منه انها تنافي الحرية وتضادها أو جهلا منه أو تجاهلا على الحق، وبالأخص ان عنى بتلك القيود القيود الإلهية المستمدة من الكتاب والسنة الصحيحة وفق المبادئ الراسخة التي لا خلاف فيها.
فعلى المريد للعمل اذا واجهه قيد أو شرط أو حد يمنعه أن ينظر أولا الى مصداقية هذا الحد وشرعية ذاك الشرط ومصدر ذلك القيد، فان كان القيد مرجعه الشرع المعتبر أو العقل السليم والرأي السديد أو المصلحة العامة أو قيدا يواكب المروءة ويمنع التعدي على الآخرين فإنا نحترمه ونقف عنده ولا نتجاوزه ونبحث عن مسلك آخر ان تيسر، والا فكيف تكون صاحب وسطية ان لم تكن مقيدا بحدود، اما ان كان منبع القيد التقليد الأعمى أو الهوى المتبع أو بجملة أخرى لا أساس علميا صحيحا أو حجة مقنعة له فإنا نرده على صاحبه ونتعداه وحينها لا ضير علينا ولا حرج.
في نهاية المطاف، نحن ضد كل ما يقتل الابداع ويعطل الفكر من قيود أو حدود مجهولة المصدر، فضلا عن ان يكون ذلك المصدر لا أهلية له كمن يحرم ويحلل بدلالة العادات والتقاليد المذمومة، ونحن مع الحدود التي تفصلنا عن باقي المخلوقات البهيمية ومع القيود التي تقيد النفس عن اتباع هواها المفضل وغريزتها الدنيئة، ولا نحبذ تلك القيود المصطنعة من أرباب الكسل والخمول وممن يعبدون العادات المقيتة عبادة أو من اصحاب الأفكار المجمدة والعقليات المتخلفة التي مــــن ديدنها القول (انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقـــتدون).