ضاري المطيري
لا أريد التقليل من خطر الإرهاب ولا اريد التهوين من المساعي الحثيثة للقضاء عليه، لكني ارغب في ايصال فكرة مفادها انك ان عرفت حقيقة المشكلة وتصورتها بالشكل الصحيح فانت هنا تبسط حلها مهما كان اثرها كبيرا، فالامر ابسط مما يتصوره البعض، من ان هذه الظاهرة جديدة او وجدت نتيجة ظروف معينة لم تكن من قبل، لكن في حقيقة الأمر لو اننا كلفنا انفسنا بقراءة التاريخ المدون بموضوعية وتجرد من الهوى لادركنا حقيقة ان ابناء هذا الفكر هم امتداد تاريخي لفئة اكبر، نشأت منذ القدم، وهم الخوارج الذين كان سيدهم هو اول من رد حكم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) زاعما ان نبينا لم يعدل في القسمة، وقد تجمعوا وكثر اتباعهم وزادت شوكتهم في آخر خلافة عثمان ( رضى الله عنه )، فهم موجودون منذ ذلك الحين الى وقتنا الحاضر، لكنهم ينشطون احيانا ويخملون احيانا اخرى، وعبر العصور السالفة كانت معالجة فكر مثل هذه الفئات واضحة وفعالة، فالزمن يعيد نفسه، فكانوا يواجهون ابتداء بالحجة والبرهان وإلا فالقتال والابادة لانهم كلاب النار كما سماهم رسولنا ( صلى الله عليه وسلم ).
وكان هو الحل المنطقي والحل الناجع لمثل هؤلاء المبتدعة، ولم نسمع عبر العصور ان يكون علاجهم بالدعوة الى الخور والجبن والدعة، ولم نسمع بأن محاربة الجهاد والغاءه هو الحل، فالجهاد بريء مما يدعونه فيه من قتل وسفك دون ادنى حق، بريء براءة الذئب من دم يوسف، وايضا لا يستدعي الأمر تغيير المناهج الاسلامية المبنية على الكتاب والسنة الصحيحة كما يدعو الى ذلك الغرب واذنابه، حيث ان هذه الفئة الضالة ليس من دأبها ولا عادتها القراءة ولو قرأوا ما فقهوا ولو فقهوا لا يعملون الا ما وافق هواهم، فلم التغيير والتحريف في المناهج اذن.
وايضا يلزم التنبيه على أنه لا تعارض بين الجهاد والولاء والبراء المستمد من الشريعة وفكرة التعايش السلمي مع الاخرين من مخالفين ضمن أطر شرعية مذكورة في كتب اهل العلم وواضحة بينة، فها هو نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) جاهد المشركين واليهود والنصارى ثم تبعه الخلفاء الراشدون من بعده، لا بل هجَر بعض المسلمين مدة من الوقت تأديبا لهم وردعا لصنيعهم حتى انه نهى المسلمين عن افشاء السلام عليهم كما في غزوة تبوك، وكل هذا لم يمنع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من التعامل باللين وابداء الاخلاق العالية مع المخالفين من المشركين أو فسقة المسلمين فهذه وسطية محمد لا الوسطية الجديدة التي خرجت لنا أخيرا.
في نهاية المطاف قام سوق الجهاد ولبى المسلمون دعواه في ارجاء المعمورة عبر 14 قرنا مضت، فقاتل المسلمون المعتدين من الكفار واقاموا العدل في البلاد ويسروا سبل الدعوة الى الله، وفيمن قاتلوا قاتلوا الخوارج والبغاة بجميع اطيافهم ومع ذلك ما سمعنا من ولاة المسلمين او علمائهم حينها اي دعوة لتعطيل الجهاد تحت دعوى القضاء على الخوارج وفكرهم الخطير، وما رأينا قط من العقلاء من يربط بين الجهاد الشرعي والخروج والبغي، فثمّ فرق كبير، فتبين ايها القارئ من خلط بعض الحقاد ومن تبعهم من الجهال ليلبسوا على المسلمين دينهم، حفظ الله المسلمين من المنافقين ومرضى القلوب انه سميع مجيب الدعاء.